هناك ظاهرة لافتة في فضاء التواصل الاجتماعي تتمثل في الاهتمام الجارف بشخصيات تقدم محتوى سطحي، يكاد يخلو من العمق أو الفائدة. هذه الظاهرة ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة تفاعل معقّد بين عوامل نفسية واجتماعية وتقنية، تهيئ البيئة المناسبة لبروز هذا النوع من المحتوى وانتشاره.
أول هذه العوامل هو الإبهار البصري وسهولة الاستهلاك. فخوارزميات المنصات الحديثة مثل إنستغرام وتيك توك ويوتيوب صُممت لتكافئ المحتوى الذي يجذب الانتباه في ثوانٍ معدودة. الفيديوهات القصيرة المليئة بالألوان والموسيقى والمؤثرات البصرية تحفّز المشاهد على الاستمرار حتى النهاية، حتى لو كان ما يشاهده بلا مضمون حقيقي.
العامل الثاني هو الرغبة في الهروب من الواقع. في عالم يزداد ضغطه النفسي والاقتصادي، يبحث كثير من الناس عن متنفس سريع يخفف عنهم التوتر. المحتوى الخفيف يوفر بيئة ترفيهية بسيطة، تخلو من النقاشات المعقدة والمشاكل الجدية، وتتيح للمشاهد أن يبتعد عن همومه ولو لوقت قصير.
كما يلعب شعور القرب والفضول دورًا مهمًا. حين يعرض المؤثرون تفاصيل حياتهم اليومية وكأنهم أصدقاء للمشاهد، يتولد شعور زائف بالألفة يدفع المتابع إلى ترقّب جديدهم، ومعرفة أين ذهبوا وماذا فعلوا ومع من التقوا، حتى لو لم يكن لذلك أي قيمة معرفية.
إلى جانب ذلك، هناك التأثير النفسي للجماهيرية. عندما يرى الفرد أن ملايين الأشخاص يتابعون شخصية ما، قد يستنتج – ولو بشكل غير واعٍ – أن هذه الشخصية جديرة بالاهتمام، فينجذب هو أيضًا لمتابعتها، بغض النظر عن تقييمه الفعلي لمحتواها.
وأخيرًا، لا يمكن تجاهل دور الخوارزميات في التسويق المبرمج. فالمنصات الرقمية تروّج آليًا للمحتوى الذي يحقق معدلات تفاعل عالية، بغض النظر عن جودته الفكرية. ولأن المحتوى السطحي عادةً يثير تعليقات ومشاركات بسرعة، فهو يحظى بانتشار أوسع بكثير من المحتوى العميق الذي يتطلب من المتابع جهدًا أكبر للتفاعل.
هكذا، يتضح أن انتشار هذا النوع من الشخصيات ليس لأنهم يقدمون ما هو أذكى أو أنفع، بل لأن المنصات والظروف الاجتماعية والنفسية تعمل مجتمعة على رفع المحتوى الخفيف إلى الواجهة، بينما يظل المحتوى الجاد بحاجة إلى جهد مضاعف ليجد طريقه إلى الجمهور.