غزة تستغيث بمصر قبل فوات الأوان

غزة- وكالة أنباء آسيا

2025.08.09 - 11:50
Facebook Share
طباعة

وسط دوامة من المعاناة والدمار الذي يفتك بقطاع غزة منذ أكثر من عامين، تصاعدت أصوات فلسطينية من داخل القطاع تدعو حركة حماس إلى تسليم الملفات وإحالة السلطة إلى لجنة عربية برئاسة مصر، في محاولة يائسة لإنقاذ ما تبقى من وطن يعيش على صفيح ساخن بين الحصار والاحتلال.


وفي بيان صادر عن شخصيات وطنية وأكاديمية ونقابية وأسرى محررين ورجال إصلاح وعشائر من مختلف الفصائل الفلسطينية داخل غزة، تم التأكيد على ضرورة انتقال السلطة إلى لجنة عربية برئاسة مصر لفترة انتقالية تمهيدًا لتسليم زمام الأمور إلى السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسسات دولة فلسطين.

 

هذه الدعوة جاءت كخطوة إنقاذية ضد ما وصفته بـ"المقتلة المفتوحة والإبادة المستمرة" التي يشهدها القطاع، مع نزوح جماعي وأوضاع إنسانية كارثية.

وفي الوقت ذاته، تستمر إسرائيل في تنفيذ خطة شاملة للسيطرة التدريجية على غزة، أقرها الكابينت الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي تهدف إلى احتلال كامل القطاع.


تأتي الدعوات الفلسطينية لتسليم ملف غزة إلى لجنة عربية برئاسة مصر في سياق متشابك ومعقد من عوامل داخلية وإقليمية ودولية، ترسم المشهد الراهن الذي يشهد أزمات متشابكة تستدعي تحركًا عربيًا موحدًا.

 

أول هذه العوامل هو الانقسام الفلسطيني الداخلي العميق، الذي يتجسد منذ عام 2007 حينما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة، بينما تواصل السلطة الوطنية الفلسطينية إدارة الضفة الغربية، مما أدى إلى ازدواجية في المؤسسات الإدارية والسياسية وتفتت القرار الوطني الفلسطيني، هذا الانقسام أثر بشكل مباشر على قدرة الفلسطينيين على مواجهة الأزمات، وأضعف من فرص الوحدة الوطنية التي باتت أكثر من ضرورة في ظل ظروف القطاع.

 

ثانيًا، لا يمكن تجاهل التدهور الإنساني والاقتصادي الكارثي الذي يعيشه قطاع غزة، جراء الحصار الإسرائيلي المشدد وعمليات القصف المتكررة التي ألحقت دمارًا واسع النطاق بالبنية التحتية، انقطعت الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والرعاية الصحية، وارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، ما خلق حالة من اليأس بين السكان الذين يعانون من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية، وهو ما يعكس الأزمة الإنسانية الحقيقية التي تهدد بقاء القطاع.

 

ثالثًا، يتصدر الدور المصري المشهد الإقليمي كعنصر وسيط رئيسي بين الأطراف المختلفة، حيث تحرص القاهرة على إدارة ملف غزة بحذر شديد.

 

مصر تعتبر استقرار حدودها الجنوبية أولوية قصوى، وتسعى لمنع تصعيدات عسكرية قد تمتد إلى أراضيها، ولذلك تبنت مصر دور الوسيط الذي يهدف إلى تحقيق توازن إقليمي وتخفيف حدة الأزمة دون الانخراط المباشر في إدارة شؤون غزة، رغم الدعوات الفلسطينية المتكررة لتوليها زمام الملف.

هذا الدور يعكس حساسية الموقف المصري بين الحفاظ على استقرارها الداخلي والسياسات الإقليمية المعقدة.

 

رابعًا، لا يخفى تزايد الضغوط الدولية على الأطراف الفلسطينية والإقليمية للبحث عن حل سياسي يحول دون استمرار النزيف الدموي في غزة.

 

المجتمع الدولي يتابع باهتمام بالغ الأوضاع المأساوية، ويطالب بوقف إطلاق النار وفتح حوار سياسي شامل، إلا أن هذه الضغوط لم تجد حتى الآن طريقها إلى تنفيذ ملموس على الأرض، بسبب تعقيدات الصراع الإقليمي وحسابات القوى الكبرى، التي تجعل من الملف الفلسطيني رهينة للصراعات الدولية.

 

خامسًا، تلعب إسرائيل دورًا محوريًا في تشكيل ملامح الأزمة، حيث تتبع حكومة بنيامين نتنياهو استراتيجية أمنية مركزة على تقسيم القطاع سياسيًا وأمنيًا، بهدف تقليل نفوذ حركة حماس وتعزيز سيطرتها على المناطق الحيوية.

 

الخطة الإسرائيلية التي تمت الموافقة عليها مؤخرًا من قبل الكابينت تشمل السيطرة التدريجية على غزة، وتأمين المناطق الحدودية والمراكز السكانية، ما يفتح الباب أمام احتلال كامل للقطاع، وهو ما يفاقم التوتر ويجعل من الحل السياسي أمرًا أكثر تعقيدًا.


حركة حماس حتى الآن لم تصدر أي رد رسمي على الدعوات المتكررة لتسليم ملف غزة إلى لجنة عربية برئاسة مصر، متمسكة بموقفها الثابت الذي يؤكد المقاومة كخيار وحيد لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهو الموقف الذي يمثل الأساس في استراتيجيتها السياسية والعسكرية منذ سيطرتها على القطاع.


في المقابل، أبدت السلطة الوطنية الفلسطينية ترحيبًا مبدئيًا بأي مبادرة من شأنها أن تساهم في استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي أضحت أكثر إلحاحًا وسط هذه الأوضاع الصعبة، لكنها شددت على ضرورة أن تتم عملية إحالة الملف وفق آليات منظمة التحرير الفلسطينية، الجهة الشرعية الوحيدة الممثل الفلسطيني الموحد، مؤكدًة أن أي خطوة يجب أن تحترم الترتيبات القانونية والسياسية الوطنية القائمة.

 

على الجانب الآخر، تحافظ مصر على موقفها المعلن بشأن ضرورة إيجاد حلول عربية جامعة للمأزق في غزة، مشددة على أن التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للقطاع غير مطروح، لكنها مستمرة في لعب دور الوسيط.



تعبّر هذه المبادرات عن رغبة في إعادة رسم المشهد الفلسطيني على أسس عربية جامعة، مع تركيز الدور على مصر باعتبارها اللاعب الإقليمي المحوري، وذلك نظرًا لموقعها الجغرافي والاستراتيجي ودورها التاريخي في الملف الفلسطيني.

 

وتأتي هذه المبادرات رد فعل مباشر على ما أطلقت عليه الشخصيات الفلسطينية "المقتلة المفتوحة" التي تفرضها إسرائيل عبر خططها الأمنية، في ظل غياب قدرة فلسطينية فعلية على التوحيد والتنسيق بين الفصائل المختلفة.

لكن الدور المصري الذي يُنظر إليه كحارس للاستقرار الإقليمي، يعقّده تعقيد المصالح الإقليمية والدولية المتشابكة، إلى جانب التحديات السياسية داخل السلطة الفلسطينية نفسها، ما يجعل من أي تحرك عربي موحد أمرًا صعبًا ويحتاج إلى توافقات واسعة.

 

في المجمل، تعبر هذه الدعوات عن أزمة وجودية فلسطينية عميقة تتطلب إعادة ترتيب الأولويات الوطنية بعيدًا عن الانقسامات، لكنها تواجه تحديات ضخمة نتيجة تعقيدات المشهد السياسي الإقليمي والدولي المستمر، وسط حرب وحصار لا تنتهي على الأرض، يهددان مستقبل قطاع غزة وشعبه.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 2