في توقيت بالغ الحساسية قبيل انعقاد المجلس الوزاري المصغر لمناقشة مصير الحرب على غزة، اختار رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير أن يُعلن تمسّكه بموقفه الرافض لاحتلال القطاع، مؤكدًا خلال لقائه بكبار قادة الجيش أنه سيواصل التعبير عن آرائه "دون خوف، وبشكل مستقل وموضوعي ومهني". هذا التصريح يأتي في ظل تصاعد الخلاف داخل منظومة الحكم الإسرائيلية، وسط تقارير متزايدة عن تعارض حاد بين رؤية زامير والخطط السياسية التي يطرحها بنيامين نتنياهو، حيث شملت إعادة السيطرة الكاملة على غزة بعد أشهر من القتال والتدمير الواسع.
زامير، بحسب ما نقل موقع "إسرائيل هيوم" عن مقربين منه، يرفض فكرة الاحتلال الكامل للقطاع، ويرى فيها مجازفة استراتيجية قد تضع الجيش في مسار استنزاف طويل وتعرض حياة الرهائن للخطر. ويؤكد أن الهدف الحقيقي يجب أن يظل محصورًا في دحر حركة حماس، وتحقيق انفراجة في ملف الرهائن، دون الانزلاق إلى سيناريو إدارة قطاع مدني مأزوم وتفكيك منظومات معقّدة من المقاومة والبُنى الاجتماعية تحت الاحتلال.
وتنطلق رؤية زامير من قراءة طويلة الأمد لطبيعة القطاع وتعقيداته، إذ سبق أن خاضت إسرائيل تجربة الاحتلال المباشر لغزة لعقود، قبل أن تتخذ حكومة أرييل شارون عام 2005 قرار الانسحاب من داخلها وإخلاء المستوطنات ضمن خطة "فك الارتباط". ومنذ ذلك الوقت، واصلت المؤسسة الأمنية التحذير مرارًا من الانجرار نحو إعادة احتلال بري شامل، رغم الحروب المتكررة والغارات المستمرة. قيادات عسكرية سابقة شبّهت القطاع بـ"الفخ الاستراتيجي"، مستذكرة تجربة التورط في جنوب لبنان قبل عام 2000، حين أدى الاحتلال الطويل إلى خسائر بشرية واهتزازات سياسية داخلية.
في ضوء هذه الخلفية، لا يبدو تصريح زامير الأخير مجرد موقف عابر. هو يمثل خطًا ثابتًا داخل الجيش يسعى للحفاظ على استقلالية القرار العسكري، ويضع حدودًا بين المتطلبات الأمنية والتوجهات السياسية التي قد تُربك الحسابات الميدانية، وتعيد إسرائيل إلى دوامة إدارة احتلال مباشر لمكان خرجت منه قبل عقدين، هذه المرة وسط واقع أكثر اشتعالًا وتعقيداً.