في الوقت الذي تتصاعد فيه اعتداءات المستوطنين وميليشياتهم المسلحة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، اختار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن يظهر في صورة أثارت جدلًا واسعًا، التُقطت خلال زيارته لمستوطنة "سانور" المقامة على أراضي الفلسطينيين جنوب غرب جنين، وظهر خلفه على الجدار شعار كتب بوضوح: "الموت للعرب". الشعار الذي بات متكررًا في مشاهد اليمين المتطرف، لم يثر استنكار الوزير أو محيطه، وانما بادر إلى تبرير الصورة بعد انتشارها، قائلًا: "لم ننتبه للعبارة في حينها، وننأى عنها بشكل كامل وقاطع"، مضيفًا أن المشكلة الحقيقية ليست في "الغرافيتي السخيف"، بل في أن "سموتريتش يقود ثورة استيطانية وأمنية غير مسبوقة في يهودا والسامرة".
مستوطنة أُخليت.. وعادت بغطاء رسمي:
"سانور" ليست مجرد مستوطنة عابرة فهي واحدة من أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية تم إخلاؤها ضمن خطة "فك الارتباط" عام 2005، التي ترافقت مع الانسحاب من قطاع غزة.
لكن الحكومة الحالية، التي تزداد تطرفًا يومًا بعد يوم، قررت إلغاء تلك الخطة فعليًا، وأعادت شرعنة المستوطنات الأربع: "غانيم"، "كاديم"، "حوميش"، و"سانور". وفي مايو 2025، صادق "الكابينت" الإسرائيلي على الاعتراف الرسمي بهذه المستوطنات و22 مستوطنة وبؤرة استيطانية أخرى، لتبدأ مرحلة جديدة من الزحف الاستيطاني.
خلال زيارته لسانور، قال سموتريتش صراحة:
" كنا نعلم حينها أن الإخلاء كان حماقة، وكنا متأكدين أننا سنعود إلى كل الأماكن التي طُردنا منها، سواء في غزة أو في السامرة".
الميليشيات تتحرك... والجيش يغض الطرف:
ما لم يقله الوزير في زيارته، هو ما يعرفه الفلسطينيون جيدًا فالميليشيات اليهودية المسلحة تسرح وتمرح في الضفة الغربية، تعتدي، تحرق، تروّع، وترحّل السكان الأصليين من أراضيهم. بيوت تُحرق على رؤوس ساكنيها ليلًا، سيارات تُحطّم، حجارة تُقذف، وعيون السلاح تُرهب القرى والبلدات، وسط صمت رسمي، وأحيانًا تغطية مباشرة من الجيش.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "هآرتس" أن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، اللواء آفي بلوط، أصدر قبل أسابيع قرارًا بوضع اليد على أراضٍ في منطقة وادي قانا، تحت ذريعة "تسهيل انتقال القوات العسكرية". لكن التحقيقات أظهرت أن الأرض المستهدفة تقع ضمن محمية طبيعية، وأن الهدف الحقيقي من القرار هو شق طريق غير قانوني يخدم المستوطنين، ويمهّد لتوسيع البؤر الاستيطانية في المنطقة.
كراهية وعنصرية وبيئة منهوبة:
"وفقًا لرؤية كثير من المستوطنين، يُنظر إلى الفلسطينيين كمصدر إزعاج فقط"، تقول هآرتس. هذه النظرة، التي تختزل وجود الشعب الفلسطيني في كونه عائقًا، هي جوهر السياسات الاستيطانية الجديدة التي يقودها وزراء كسموتريتش وبن غفير، ويعمل الجيش على حمايتها وتسهيلها. فهم يسعون لتقويض ما تبقى من سلطة القانون، والسيطرة الكاملة على الأرض، وتدمير البيئة والموارد الطبيعية.
وتضيف الصحيفة أن المستوطنين، حين يناسبهم الموقف، يتحدثون عن حماية الحيوانات البرية من "الصيادين الفلسطينيين"، في خطاب بيئي مشوّه يستخدم لشرعنة السيطرة على المحميات الطبيعية، وتحويلها إلى مناطق مغلقة في وجه الفلسطينيين.
وآخر حلقات هذا التمدد، كانت الموافقة على توسيع محجر في منطقة ناحل رابا، رغم الأثر البيئي الهائل للمشروع. القرار قوبل بالرفض من منظمتي "مناخ واحد" البيئية، ومنظمة حقوق الإنسان "يوجد حكم" اللتين قدمتا التماسًا إداريًا إلى المحكمة المركزية في القدس، يمثلهما المحاميان يوسي وولفسون وروني فيلي، في محاولة جديدة لوقف زحف الاستيطان عبر أدوات القانون.
ما وراء الصورة :
صورة سموتريتش في "سانور" ليست تفصيلًا عابرًا في مشهد الاحتلال، وانما تجسيد واضح لما وصفه هو نفسه بـ"ثورة استيطانية وأمنية". ثورة لا تقوم على القانون، بل على القوة الميدانية، والتطهير العرقي البطيء، وخلق واقع جديد على الأرض لا يمكن التراجع عنه.