أثار تعيين العميد شكيب أجود نصر، أحد أبرز ضباط النظام السوري السابق، قائداً لقوى الأمن الداخلي في محافظة السويداء، جدلاً واسعاً حول طبيعة المرحلة التي تقودها ما تُسمى بـ"اللجنة القانونية العليا"، التي تم تشكيلها مؤخرًا بإشراف الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، بقيادة الشيخ حكمت الهجري.
التعيين جاء ضمن سلسلة قرارات أعلنت عنها اللجنة، التي قالت إنها تهدف إلى "إدارة شؤون السويداء في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها المحافظة"، إلا أن اختيار نصر، المعروف بولائه الشديد للنظام وارتباط اسمه بانتهاكات موثقة أثناء توليه منصب رئيس فرع الأمن السياسي في طرطوس، شكّل صدمة لدى شريحة واسعة من أهالي المحافظة، الذين يرون في هذا القرار نكوصاً عن مطالب التغيير، وعودة مستترة لرموز السلطة الأمنية القديمة.
ولا تقل إثارة للجدل الشخصية التي تم تعيينها كنائب لقائد الأمن الداخلي، العميد أنور عادل رضوان، الذي شغل سابقاً موقعاً أمنياً في بانياس، وارتبط اسمه أيضاً بسجل من الانتهاكات خلال سنوات النزاع السوري.
سلطة محلية أم حكومة ظل؟
اللجنة القانونية العليا، التي تضم تسعة أعضاء، بينهم قضاة ومحامون، تحوّلت فعلياً إلى جسم موازٍ لإدارة الدولة في السويداء، مع تصاعد الحديث عن تشكيل "مكتب تنفيذي مؤقت"، وتنظيم العمل الإداري والخدمي، بل وحتى الإشراف على الأمن، والقضاء، والإغاثة، والمساعدات، وهو ما يضع علامات استفهام جدية حول حدود دورها، ومدى تمثيلها الفعلي لأهالي المحافظة، بعيدًا عن الخطاب الديني أو الرمزي الذي تستند إليه.
وفي الوقت الذي تحاول فيه اللجنة تظهير نفسها كإطار مدني حامي للمجتمع، لم تُخفِ طموحها في السيطرة الكاملة على مفاصل الحياة في المحافظة، بما فيها الجوانب المالية والاقتصادية، من خلال مراقبة المصارف والمنشآت الحيوية، والإشراف على توزيع المساعدات، وتلقي التبرعات، وتنسيق العمل مع المستشفيات، العامة منها والخاصة.
منع مؤسسات الدولة وادّعاء المسؤولية
من اللافت في هذا السياق، ما كشفه وزير الصحة في حكومة النظام، مصعب نزال العلي، عن منع كوادر وزارته من دخول محافظة السويداء، إثر تهديدات من جهات تابعة للشيخ حكمت الهجري. وبحسب تصريحاته، فإن الهلال الأحمر هو الجهة الوحيدة المسموح لها بالتحرك في المحافظة، في وقت تتفاقم فيه الاحتياجات الطبية والإنسانية مع تزايد التوتر الأمني.
ورغم استمرار دخول قوافل الإغاثة من خلال ممر بصرى الشام في درعا، وإجلاء عدد من العائلات المتضررة، لا يزال مشهد السويداء غامضاً، وسط هيمنة خطاب شعبوي يخلط بين حماية السكان وفرض سلطة أمر واقع، تعتمد في بنيتها على أسماء قادمة من عمق النظام الأمني الذي كان سبباً رئيسياً في معاناة السوريين.
من الفصائل إلى الإقليم: حلم انفصالي غير معلن
قرارات اللجنة القانونية، وما رافقها من تعيينات أمنية وحصار للمؤسسات الحكومية، تكشف بوضوح عن توجّه سياسي يذهب أبعد من مجرد "إدارة أزمة محلية". فبدلاً من تقديم نموذج بديل يراعي تطلعات الناس للعدالة والشفافية، يتم ترميم بنية سلطوية سابقة، وتغليفها بغلاف ديني – اجتماعي، يخلط بين الولاءات الشخصية والهوية المجتمعية، في مشهد يعيد إلى الأذهان تجارب الانفصال المقنّع تحت يافطة "الخصوصية الطائفية" أو "الحكم الذاتي".
وبات واضحًا أن الفصائل المسلحة في السويداء، التي ترفع اليوم شعارات مواجهة الفساد ورفض التبعية، تتحول تدريجياً إلى بنى سلطوية بغطاء مدني - قانوني، مدعومة بمؤسسات موازية تمارس مهام الدولة، وتختار رموزها الأمنية من دفاتر النظام القديم، في ازدواجية تُفرغ الحراك المحلي من مضمونه الشعبي والحقوقي.
إن استمرار هذا النهج سيقود إلى عزلة خطيرة للمحافظة، ويضعف موقعها داخل الإطار الوطني، بل ويكرّس فكرة الكانتونات الطائفية التي لطالما حذّر السوريون منها. وبدلاً من تكرار أخطاء الماضي تحت مسميات جديدة، تحتاج السويداء إلى مراجعة حقيقية تعيد لها دورها في إطار دولة عادلة، لا مجرد سلطة بديلة تُدار من خارج المؤسّسات، وبأدوات النظام ذاته.