إسرائيل تساوم على جثمان شهيد.. ونساء يُضربن حتى الدفن

60 امرأه فلسطينية يُضربن عن الطعام احتجاجًا على شروط دفن عودة الهذالين.. والمستوطن القاتل حرّ

2025.08.06 - 12:39
Facebook Share
طباعة

كتبت- أماني إبراهيم


قُتل، فسُلب جسده، ثم مُنعت عائلته من دفنه، هذه ليست مشاهد من فيلم خيالي، بل واقع يعيشه أهالي خربة "أم الخير" جنوب الضفة الغربية قرية فلسطينية محاصرة، حتى الجنازة تحتاج موافقة المحتل.

 

 

المأساة لم تنتهِ باستشهاد الناشط الفلسطيني عودة الهذالين برصاص مستوطن إسرائيلي، بل بدأت من بعده، حيث رفضت السلطات الإسرائيلية تسليم الجثمان للعائلة إلا وفق شروط مذلة، ما دفع 60 امرأة فلسطينية إلى الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام رفضًا لما وصفنه بـ"ابتزاز المحتل لحق إنساني أساسي".

 

التفاصيل أوردتها شبكة بي بي سي نيوز عربي في تغطية ميدانية نقلاً عن شهادات العائلة والنشطاء، وتقرير مفصل من المنطقة.


عودة الهذالين، 31 عامًا، قُتل في ساحة قريته حين حاول مع سكان أم الخير منع مستوطن يُدعى "يونن ليفي" من تجريف أراضٍ زراعية تعود لأهالي المنطقة.


وبحسب شهادة قريبه علاء الهذالين لشبكة بي بي سي، فإن ليفي ترجل من جرافته وسحب سلاحه وأطلق النار مرتين، فأصابت الرصاصة الثانية قلب عودة مباشرة.

 

اللافت أن المستوطن ليفي لم يُعتقل فورًا، بل ظهر في الموقع لاحقًا بجوار جنود الاحتلال، وتم الإفراج عنه لاحقًا بعد عرضه على محكمة الصلح في القدس، حيث حُوّل إلى الإقامة الجبرية بتهم مخففة، من بينها "القتل نتيجة الإهمال"، حسب ما نقلته بي بي سي نيوز عربي.

 

 

بينما تعيش الأسرة صدمة الفقد، رفضت سلطات الاحتلال تسليم جثمان الشهيد عودة الهذالين إلا ضمن ما وصفته بـ"شروط أمنية"، كانت أقرب إلى الإذلال منها إلى الإجراءات: يُمنع دفنه في مسقط رأسه، ويُحظر إقامة جنازة أو بيت عزاء، ولا يُسمح لأكثر من 15 شخصًا بالمشاركة في التشييع، على أن يتم الدفن ليلًا، وتحت رقابة أمنية مشددة، وكأن الجثمان نفسه بات متهمًا يجب السيطرة على لحظة وداعه.


هذه الشروط دفعت 60 سيدة من القرية لإعلان الإضراب عن الطعام، مطالِبات بدفن ابن قريتهن بكرامة. ووفق تقارير بي بي سي، رفضت العائلة كل المقترحات الإسرائيلية، ووصفتها بـ"الإهانة المقننة حتى بعد الموت".

 

لم يكتفِ الاحتلال بحماية القاتل، بل شرع في حملة اعتقالات طالت ما لا يقل عن 17 فلسطينيًا من أم الخير، بينهم شقيقا الشهيد، وطبيب حاول إسعافه، وفقًا لشهادات النشطاء التي أوردتها بي بي سي نيوز عربي.

حتى بيت العزاء لم يسلم؛ فعند محاولة العائلة نصبه، اقتحمت قوات الاحتلال الخربة، أزالت الخيمة، وطردت الصحفيين والنشطاء، وفرضت طوقًا أمنيًا يمنع أي تظاهر أو تجمع.

 

 

من هو عودة الهذالين؟

عودة لم يكن مجرد ضحية. كان معلمًا للغة الإنجليزية، وأبًا لثلاثة أطفال، وناشطًا معروفًا بمناهضة الاستيطان في مسافر يطا. ووفقًا لـبي بي سي، شارك عودة في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الحائز على جائزة الأوسكار 2024، وكان يؤمن أن الكاميرا يمكنها أن تهزم الظلم، حيث تعجز البندقية.

 

أصدقاؤه يرون أن مقتله لم يكن صدفة، بل فصل من مسلسل يستهدف تهجير القرى الفلسطينية لصالح توسع استيطاني ممنهج.
الصحفي الإسرائيلي أندريه كراسنوفسكي قال في حديث لـبي بي سي: "عوده لم يُقتل لأنه وقف أمام مستوطن.. بل لأنه رمز لمجتمع يحاول الاحتلال محوه من جذوره".


قرية تواجه الانقراض

خربة أم الخير، التي لا يتجاوز عدد سكانها 210 شخصًا، تقع تحت حصار استيطاني خانق منذ عقود. المستوطنة المقامة على أراضيها – "كرمئيل" – لا تكف عن التوسع، بينما تهدد قرارات المحكمة الإسرائيلية سكان المنطقة بالترحيل الجماعي، تحت ذريعة تحويلها لـ"منطقة تدريب عسكري".

ووفق ما ذكره مؤيد شعبان، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في تصريحات نُقلت عبر بي بي سي، فإن المستوطنين نفذوا أكثر من 2150 اعتداء منذ بداية 2025، بينها 448 في مسافر يطا، وأسفرت عن مقتل 30 فلسطينيًا، بينهم ثمانية منذ مطلع العام.

 

 

المستوطن القاتل، يونن ليفي، يعيش في بؤرة استيطانية غير قانونية تُدعى "ميترِيم"، وقد فُرضت عليه عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا العام الماضي، بسبب "انتهاكات جسيمة" بحق الفلسطينيين.

 

ومع ذلك، ما زال حرًا، بل يعود إلى القرية التي شهدت جريمته، تحت حماية الجيش.

 

قضية عودة الهذالين ليست مجرد ملف جنازة مؤجلة، بل فصل فاضح من يوميات القهر الفلسطيني في ظل نظام احتلال يجعل حتى الموت مشروطًا، والدفن مرهونًا بالموافقة العسكرية.

 

نساء أم الخير، اللواتي قررن الإضراب، يضعن العالم أمام سؤال أخلاقي صارخ: كيف تُمنع أم من وداع ابنها؟ وكيف يُكافأ القاتل بحماية قانونية؟
المأساة مستمرة، لكن الرواية لا تموت، والصوت – رغم الحصار – لا يزال يقاوم.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 3