كتبت- أماني إبراهيم
في تصعيد دبلوماسي غير مسبوق، شنّ وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر هجومًا عنيفًا على الدول الغربية التي أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، متهمًا إياها بـ"اغتيال صفقة الرهائن" وإفشال مساعي وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في وقتٍ تتعثر فيه مفاوضات المرحلة الثانية من الصفقة وسط ضغط شعبي إسرائيلي متزايد، وارتباك غير مسبوق داخل حكومة نتنياهو.
وقال ساعر، خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إن بعض الدول الغربية – دون أن يسميها مباشرة – "مارست ضغوطًا على إسرائيل بدلًا من حماس"، مضيفًا أن تلك الدول "هاجمت إسرائيل وقررت الاعتراف بدولة فلسطينية افتراضية، وهو ما منح حماس هدايا مجانية للاستمرار في هذه الحرب".
وأضاف الوزير المتطرف: "أُجهضت الصفقة بفعل هذه التحركات الدولية، وأريد أن أكون واضحًا: هذه الدول أطالت أمد الحرب. حماس مسؤولة عن بدايتها، لكنها وجدت دعمًا مجانيًا من دول قررت التصعيد السياسي بدلًا من الضغط على الإرهاب".
خلفية الاعترافات المرتقبة بفلسطين
تأتي تصريحات ساعر في أعقاب موجة اعترافات أوروبية بدولة فلسطين، وعلى رأسها إسبانيا، أيرلندا، والنرويج التي أعلنت الاعتراف الكامل خلال مايو الماضي، بينما أكدت دول أخرى مثل فرنسا، كندا، وبلجيكا نيتها المضي في الاعتراف الرسمي خلال الخريف المقبل، سواء بشكل مباشر أو مشروط بمواقف إسرائيل من وقف إطلاق النار في غزة.
وتعد هذه الخطوة أكبر ضربة دبلوماسية تتعرض لها إسرائيل منذ عقود، حيث كسرت دول الاتحاد الأوروبي التوافق التقليدي حول ربط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بمفاوضات الحل النهائي، ما دفع إسرائيل إلى سحب سفرائها وتجميد علاقاتها مع بعض تلك العواصم.
جلسة مجلس الأمن والرهائن المنهكين
وجاءت تصريحات ساعر قبل ساعات من جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في غزة، دعت إليها إسرائيل عقب نشر حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" مقاطع مصورة تُظهر اثنين من الرهائن الإسرائيليين في حالة من الهزال الشديد: إفياتار دافيد وروم براسلافسكي، حيث بدت عظامهم بارزة من تحت الجلد، وسط مزاعم إسرائيلية عن "تعذيب وتجويع مقصود" بهدف الضغط السياسي.
واعتبر ساعر ما حدث "جريمة شيطانية"، متهمًا حماس والجهاد الإسلامي بـ"استخدام الرهائن كأدوات دعاية"، رغم أن مصادر دولية أكدت أن إسرائيل هي من عرقل إدخال المساعدات الطبية المخصصة للأسرى المدنيين المحتجزين في غزة، ضمن سياسة التجويع الشامل التي تمارسها تل أبيب بحق سكان القطاع.
التصعيد الإسرائيلي: مقدمة لحرب شاملة أم تغطية على الانهيار؟
تصريحات ساعر لا تأتي بمعزل عن التصعيد السياسي والدبلوماسي الذي تنتهجه حكومة نتنياهو منذ فشل المرحلة الثانية من صفقة الرهائن، بل تعكس تحركًا منسقًا يهدف إلى تحويل الأنظار عن المأزق العسكري داخل غزة، بعد أشهر من القصف المتواصل دون حسم أو إنجاز حقيقي على الأرض.
فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة، وازدياد الضغط الدولي بعد ظهور مقاطع الرهائن، دفع القيادة الإسرائيلية إلى تصعيد لهجة الاتهام ضد العالم بدلاً من مراجعة سياساتها، وهو ما قد يكون تمهيدًا لمراحل أكثر دموية من الحرب، أو حتى إعادة احتلال شاملة لغزة، كما ألمح نتنياهو مؤخرًا بدعم صريح من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
في المقابل، الاعترافات الأوروبية المرتقبة بالدولة الفلسطينية تعني فعليًا نسف الرواية الإسرائيلية دوليًا، وهو ما يفسر حالة الهستيريا السياسية والإعلامية التي تعيشها تل أبيب. ومع تراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي بحكومته، واحتدام الخلافات داخل الكابنيت، تبدو هذه التصريحات أيضًا محاولة لإعادة تعبئة الجبهة الداخلية حول شماعة "التواطؤ الدولي".