لبنان.. حكومة على الحافة: كواليس قرار نزع السلاح

رامي عازار

2025.08.06 - 09:23
Facebook Share
طباعة

 في تطور سياسي وأمني مفصلي، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني خلال جلسة استثنائية، قرارًا يقضي بتكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح في يد القوى الشرعية وحدها قبل نهاية العام الجاري، ما اعتُبر خطوة أولى نحو تعزيز سلطة الدولة على كامل أراضيها.


وجاء في نص القرار: "تكليف الجيش وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي، في يد الجهات المحددة لإعلان الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية وحدها، وعرضها على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الجاري لمناقشتها وإقرارها."


اعتراض وزاري ورفض شيعي
لم تمر الجلسة دون توترات، إذ عبّر وزراء "الثنائي الشيعي" عن رفضهم للقرار. انسحب الوزيران ركان ناصر الدين وتمارا الزين من الجلسة قبل التصويت، في حين سجل الوزير الشيعي الخامس فادي مكي تحفظًا على البند المتعلق بالمهلة الزمنية، لكنه لم يغادر الجلسة، ما أبقى القرار ضمن الإطار الميثاقي.


المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، أصدر موقفًا حادًا عقب الجلسة، أكد فيه: "الجيش شريك المقاومة ورفيق سلاحها، وفوق المغامرة السياسية القذرة. حذار من 17 أيار جديد، لأنّ البلد بارود، وإطفاؤه بالبنزين يضع لبنان كله في قلب النار."


جلسة ماراتونية وحسم حكومي
ترأس الجلسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، واستمرت لأكثر من خمس ساعات ونصف، أعلن بعدها رئيس الحكومة نواف سلام القرار، مؤكدًا أنه جاء استنادًا إلى البيان الوزاري وخطاب القسم الرئاسي، إضافة إلى إعلان الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية الذي أقرّته الحكومة السابقة بالإجماع.


سلام أشار أيضًا إلى أن القرار استند إلى ورقة المقترحات التي قدمتها الولايات المتحدة عبر موفدها توم برّاك، مع التعديلات التي طلبها الجانب اللبناني. ومن المرتقب أن يستكمل مجلس الوزراء مناقشة الورقة الأميركية يوم الخميس المقبل.


سجالات داخلية وتوترات في الجلسة
كشفت معلومات من داخل الجلسة أن الرئيس بري طلب مهلة أسبوع لتأجيل البند، لكن الطلب رُفض بدعوى عدم ضمان انعقاد جلسة جديدة. طُرح تأجيل لمدة يومين، وقوبل أيضًا بالرفض. الرئيس سلام، مدعومًا من رئيس الجمهورية ووزراء "القوات اللبنانية"، أصر على استكمال النقاش والتصويت، وهو ما أدى إلى انسحاب وزيري "الثنائي".


الوزير فادي مكي، رغم بقائه، تحفظ على مهلة تنفيذ القرار حتى نهاية العام. ورد عليه الوزير جو عيسى الخوري بالقول: "تحفّظ."


الموقف الاشتراكي، وفق مصادر مطلعة، كان إيجابيًا داخل الجلسة، وأسهم في تمرير القرار بصيغة نهائية.


ضغوط خارجية ودور أميركي
القرار يأتي في ظل ضغوط متزايدة من المجتمع الدولي، خصوصًا من الولايات المتحدة وفرنسا، لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وتعزيز سلطة المؤسسات الرسمية. وتشير التوقعات إلى أن مجلس الوزراء سيقر الورقة الأميركية قريبًا، قبل تنفيذ خطة الجيش.


صراع صلاحيات وتحذيرات من التصعيد
القرار الحكومي قابله خطاب عالي السقف من الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لـ"حزب الله"، اعتبر فيه أن الحزب غير معني بما يصدر عن الحكومة، في موقف رأى فيه مراقبون تمهيدًا لرفض أي خطوة في هذا الاتجاه.


تحذيرات من استدراج الجيش إلى صدام مباشر مع "حزب الله" أثيرت أيضًا في كواليس السياسة، خصوصًا أن قرار تكليفه بوضع وتنفيذ الخطة قد يؤدي إلى احتكاكات ميدانية في حال حاول فرض سيطرته على مناطق حساسة.


في هذا السياق، وقع اعتداء إسرائيلي استهدف بلدة بريتال في البقاع عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء، ما اعتُبر تحديًا للحكومة، ووضعها في موقف محرج لجهة قدرتها على حماية لبنان، في وقت تتخذ فيه قرارًا حساسًا بسحب السلاح.


اتصالات مكثفة لمنع الانفجار السياسي
الجلسة شهدت اتصالات رفيعة المستوى قادها كل من الرئيس بري وفريق رئيس الجمهورية، وامتدت حتى لحظات ما قبل انعقادها، لمنع انفجار سياسي وشيك. وتمحورت الاتصالات بين المقرات الرسمية الثلاثة، بالإضافة إلى تنسيق مع باريس وواشنطن.


ووفق مصادر مطلعة، فإن الاتصالات أفضت إلى سيناريو "تخفيف التصعيد"، عبر تمرير القرار مع تسجيل تحفظات، وتأجيل النقاش بالورقة الأميركية إلى الجلسة التالية.


تحديات التنفيذ والتوازنات الداخلية
مصادر وزارية وصفت النقاش بأنه كان سياسيًا للمرة الأولى بهذا العمق، وجرى في إطار دستوري واضح. وأكدت أن تكليف الجيش بمهام تنفيذية هو قرار شرعي مئة بالمئة، ويمنحه غطاءً كاملاً لبسط سلطته في كل المناطق.


لكن مصادر أخرى عبّرت عن خشيتها من أن يؤدي القرار إلى انشقاقات سياسية أو حتى صدامات أهلية، خصوصًا في ظل الأزمات الإقليمية والضغوط الخارجية. وشددت على أن الجميع يتهيب الموقف، لأن الفشل في تنفيذ هذا القرار قد يؤدي إلى كارثة داخلية.


وبينما تواصل الحكومة تأكيدها أن الجيش والقوى الأمنية سيحافظان على الأمن، فإن الأنظار تتجه الآن إلى جلسة الخميس، حيث ستُناقش الورقة الأميركية، وربما تتحدد المسارات المقبلة بشكل أكثر وضوحًا.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7