إلى أين يسير السودان؟

بين احتضار الفاشر وتقسيم الوطن... مشهد النهاية يقترب

2025.08.06 - 09:19
Facebook Share
طباعة


تقرير| أماني إبراهيم

 

وسط الأنقاض والدمار، وفي شوارع مدينة الفاشر التي تحولت إلى ساحة مفتوحة للموت، تتجلى ملامح الانهيار السوداني بأبشع صوره، حرب عمرها عامان حوّلت واحدة من أكبر دول إفريقيا إلى مسرح مفتوح للفوضى، المجاعة، والمذابح.

 

ومع اقتراب قوات الدعم السريع من السيطرة الكاملة على إقليم دارفور، تُطرح الأسئلة الأثقل: هل نشهد تفكك السودان؟ وهل ما تبقى من الدولة السودانية بات قابلاً للحياة ؟


الفاشر تنهار.. والجيش يفقد آخر أوراقه في دارفور

منذ مايو 2025، تخضع مدينة الفاشر لحصار خانق من قبل قوات الدعم السريع الهجمات تتوالى يوميًا، فيما تقطعت كل سبل الحياة داخل المدينة، يعيش أكثر من 800 ألف مدني في حالة حصار، وسط مجاعة متسارعة، وتفشي واسع للكوليرا.

 

وفقًا لتقارير "أطباء بلا حدود"، فقد تم تسجيل أكثر من 2500 إصابة بالكوليرا منذ منتصف يونيو، في ظل انهيار كامل للبنية التحتية الصحية، وعدم وجود مياه شرب آمنة أو خدمات صرف صحي.

 

يقول مراقب أممي مقيم في نيروبي: "إذا سقطت الفاشر، فستسقط دارفور كلها، ويصبح الدعم السريع عمليًا القوة الأقوى في غرب السودان، هذا يعني شيئًا واحدًا: تقطيع أوصال السودان".


من حرب السلطة إلى صراع البقاء

بدأ النزاع في 15 أبريل 2023، كصراع على السلطة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لكن الحرب سرعان ما تحولت إلى نزاع شامل، استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة داخل المدن، وتورط فيه المدنيون، وتسببت في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

 

أكثر من 14 مليون طفل يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفقًا لـ"اليونيسف"، وبلغ عدد النازحين داخليًا 10 ملايين شخص – الأكبر في العالم بحسب تقرير حديث للأمم المتحدة.

 

ومع فشل كل محاولات الوساطة، من جدة إلى الدوحة، باتت الحرب تأكل بنيان الدولة بالكامل، وتفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر سوداوية.

 

 

خارطة السيطرة.. السودان عمليًا أصبح ثلاث دول

قوات الدعم السريع تسيطر على معظم مناطق دارفور، وتمدّ نفوذها إلى أجزاء من كردفان وغرب الخرطوم.
الجيش السوداني ما يزال متمركزًا في شرق البلاد، خاصة في بورتسودان، التي باتت "عاصمة إدارية بديلة" بحكم الواقع.
الحركات المسلحة (مثل جيش الحركة الشعبية بقيادة الحلو) تحكم مناطق في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وترفض الانضواء تحت أي سلطة مركزية.


ووفقًا لتحليل "مجموعة الأزمات الدولية" (2 أغسطس 2025)، فإن "السودان يتجه إلى نموذج مشابه للصومال في التسعينيات، مع تآكل السلطة المركزية، وصعود مراكز نفوذ محلية، وتحول الجماعات المسلحة إلى قوى أمر واقع".


الموقف الدولي.. بيانات بلا تأثير

ورغم الإدانات الأممية والدعوات لوقف إطلاق النار، لا توجد حتى الآن إرادة دولية حقيقية لوقف الحرب، مجلس الأمن اكتفى بإصدار بيانات شجب، بينما ترك السودان رهينة لصراع إقليمي غير مباشر، تتداخل فيه مصالح الإمارات، مصر، تشاد، وإثيوبيا، إلى جانب توازنات دولية مع روسيا والصين.

الولايات المتحدة فرضت عقوبات محدودة على كيانات سودانية، لكنها لم تنجح في تغيير الوقائع على الأرض أما الاتحاد الإفريقي، فبات غائبًا فعليًا عن المشهد.


هل نحن أمام تقسيم فعلي للسودان؟

كل المؤشرات الميدانية والسياسية تشير إلى تفكك فعلي للدولة السودانية:
لا توجد سلطة مركزية موحدة.
القوى الإقليمية تتعامل مع سلطات الأمر الواقع.
قوافل الإغاثة باتت تحتاج لتنسيق منفصل مع كل ميليشيا على الأرض.


وفي تصريح سابق صادم للخبير السوداني أحمد فضل الله، يقول: "لم يعد هناك شيء اسمه دولة السودان كما عرفناها، ما يحدث اليوم هو ولادة كيانات متصارعة، بدون رابط سياسي أو قانوني بينها".

 

مشهد ما بعد الدولة

الفاشر تختنق، دارفور تكاد تنفصل، الخرطوم ما تزال خرابًا بلا سيادة، ملايين الجوعى في الشوارع، والشتات السوداني في أسوأ فصوله، وبسقوط الفاشر، يخسر الجيش آخر ما تبقى له من نفوذ في غرب البلاد، بينما يتمدد الدعم السريع، وتتلاشى الدولة.

 

السودان لا يسير نحو وقف الحرب، بل نحو تحلل شامل للدولة. إنها ليست حربًا أهلية فحسب.. بل انهيار تاريخي لكيان وطني كان يُعد من أعمدة إفريقيا. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 6