مصر وإثيوبيا على صفيح..ساخن مجدداً بسبب سد النهضة

تقرير _ رباب الامين

2025.08.05 - 07:28
Facebook Share
طباعة

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية حول سد النهضة، كثّفت مصر تحركاتها الدبلوماسية مع دول حوض النيل، ساعية إلى تعزيز موقفها الإقليمي وإعادة شرح رؤيتها بشأن خطورة الخطوات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا. ومع اقتراب موعد التدشين الرسمي للسد الذي حددته أديس أبابا في سبتمبر المقبل، تتحرك القاهرة على أكثر من محور، مدفوعة بمخاوف استراتيجية تتعلق بمستقبل أمنها المائي وحقوقها التاريخية في نهر النيل، مجددة موقفها الرافض لأي خطوات أحادية في ملف سد النهضة، عقب التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية بدر عبدالعاطي، والتي حذر فيها من أن القاهرة ستتخذ "جميع الإجراءات اللازمة" لحماية أمنها القومي المائي. هذه التصريحات التي صدرت من كمبالا، خلال زيارة رسمية رفيعة المستوى شملت أيضًا وزير الموارد المائية هاني سويلم، جاءت بالتزامن مع اقتراب إثيوبيا من التدشين الرسمي للسد، في خطوة تُعد تصعيدًا رمزيًا وفعليًا في واحد من أكثر الملفات الإقليمية تعقيدًا.

 

ثوابت الموقف المصري:


منذ اندلاع أزمة سد النهضة قبل أكثر من عقد، ظلّت القاهرة متمسكة بمطالبها في التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم ينظم عمليتي الملء والتشغيل، بما يحفظ الحقوق التاريخية لدولتي المصب، ويمنع الأضرار المحتملة على حصتها من المياه. وتستند مصر في موقفها إلى اتفاقيات دولية تاريخية، أبرزها اتفاقيتا 1902 و1959، بالإضافة إلى مبدأ "عدم الإضرار" المنصوص عليه في القانون الدولي للمياه.


وترى القاهرة أن إثيوبيا تتبنى نهجًا أحاديًا يفتقر إلى الشفافية، بعد أن أتمت مراحل متقدمة من ملء السد دون الرجوع إلى دولتي المصب أو توقيع اتفاق ملزم. وفي ظل اعتماد مصر بنسبة تزيد عن 97٪ على مياه النيل، تُعتبر أي إجراءات منفردة تهديدًا مباشرًا لأمنها المائي والغذائي، ما يجعل الملف على رأس أولوياتها الاستراتيجية والسياسية.


نهج إثيوبيا: فرض الأمر الواقع:


في المقابل، تمضي إثيوبيا في مشروعها العملاق بتركيز واضح على السيادة الوطنية، رافضة الاعتراف بالاتفاقيات السابقة، التي تصفها بأنها "إرث استعماري لا يلزمها". ورغم تأكيدها المتكرر أنها لا تسعى للإضرار بمصر أو السودان، إلا أنها ترفض الانخراط في اتفاق ملزم، وهو ما يثير شكوك القاهرة والخرطوم معًا بشأن النوايا الحقيقية وراء المشروع.


تعتمد أديس أبابا في استراتيجيتها على عامل الوقت، وتحاول ترسيخ واقع جديد على الأرض من خلال مراحل متتالية للملء والتشغيل، مما يجعل أي تفاوض لاحق بمثابة تثبيت للوضع الراهن، وليس تأسيسًا لاتفاق يوازن المصالح. هذا التكتيك يُدخل المفاوضات في حلقة مفرغة، ويعزز الجمود الذي ساد طوال العامين الماضيين، رغم محاولات الإحياء عبر وساطات متعددة من الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

 

زيارة كمبالا: رسائل مصرية متعددة الاتجاهات

 

اختيار أوغندا كمحطة دبلوماسية مصرية ليس عابرًا، فهي من دول المنبع، ومن أبرز الموقعين على اتفاقية "عنتيبي"، التي تعارضها القاهرة بشدة كونها تهمش حقوق دول المصب. اللقاء مع المسؤولين الأوغنديين في هذا التوقيت يهدف إلى تحييد بعض المواقف الإقليمية، وربما بناء تحالفات جديدة داخل حوض النيل، خصوصًا في ظل تصاعد مؤشرات التوتر مع إثيوبيا.


كما تحمل الزيارة رسائل مباشرة وغير مباشرة؛ فإلى جانب التشديد على التعاون والتكامل، أرادت مصر أن تذكّر بأن التهاون في هذا الملف لم يعد ممكنًا، وأنها باتت مستعدة للتصعيد السياسي وربما القانوني، إذا استمرت إثيوبيا في تجاهل مطالب التفاوض الجاد.


خيارات مصر والموقف الدولي:


في ظل الانسداد الحالي، تبقى الخيارات المصرية محدودة لكنها غير مستبعدة. العودة إلى مجلس الأمن الدولي قد تكون مطروحة، خصوصًا إذا اكتملت خطوة التدشين الإثيوبي من دون اتفاق. كما أن التحرك نحو بناء تحالفات جديدة داخل الاتحاد الإفريقي أو في إطار جامعة الدول العربية يمكن أن يعيد الملف إلى طاولة النقاش الدولي. ويبقى الخيار العسكري هو الأكثر حساسية، ولا يُطرح رسميًا، لكن تلميحات التصريحات المصرية تحمل إشارات لا تخطئها العين بشأن حدود الصبر الاستراتيجي.


أما على المستوى الدولي، فلا تزال مواقف العواصم الكبرى تميل إلى التهدئة دون ضغط فعّال على أديس أبابا. هذا الضعف في الموقف الدولي يمنح إثيوبيا مساحة للمناورة، ويضع القاهرة في موضع من يحتاج إلى تصعيد دبلوماسي أكثر كثافة خلال الفترة المقبلة.


ورقة سياسية:

سد النهضة لم يعد مجرد مشروع تنموي، بل أصبح ورقة سياسية وجيوستراتيجية، تستخدمها أديس أبابا لتثبيت موقعها في الإقليم، بينما تنظر إليه القاهرة باعتباره مسألة وجودية لا تحتمل التأجيل أو المساومة. ومع اقتراب إثيوبيا من لحظة الإعلان الرسمي عن تشغيل السد، يدخل الملف مرحلة أكثر حساسية، قد تشهد فيها المنطقة جولة جديدة من التصعيد السياسي وربما التحولات المفاجئة، ما لم يتم التوصل إلى مخرج دبلوماسي يحفظ توازن المصالح ويمنع الانفجار. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 8