تواجه السياسة الفرنسية تجاه الحرب في غزة اختبارًا متصاعدًا من الداخل، بعد أن وجّه السفير الإسرائيلي الأسبق لدى باريس، إيلي بارنافي، والمؤرخ الفرنسي فانسان لومير، نداءً مفتوحًا للرئيس إيمانويل ماكرون يدعوان فيه إلى فرض عقوبات "فورية وملموسة" على إسرائيل، بسبب الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة.
وفي مقال مشترك نُشر في صحيفة لوموند الفرنسية، طالب الكاتبان ماكرون بقيادة تحالف أوروبي يُرسي تحولًا حقيقيًا في الموقف الغربي، بهدف وقف الحرب وضمان الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين وإنقاذ السكان المدنيين الفلسطينيين.
المقال الذي حمّل لهجة غير معتادة في الساحة الفرنسية الرسمية، يعكس تغيّرًا واضحًا في المزاج العام لبعض الدوائر السياسية والفكرية الفرنسية، حيث اعتبر بارنافي ولومير أن استمرار غياب الضغط الأوروبي الجاد، يكرّس ازدواجية المعايير التي فقدت مصداقيتها، لا سيما بعد حشد أوروبا 18 حزمة عقوبات ضد روسيا بسبب أوكرانيا، بينما لم تُفرض أي عقوبات ضد إسرائيل رغم تصاعد الكارثة في غزة.
وقال الكاتبان: "سيادة الرئيس، إذا لم يتم فرض عقوبات فورية، فستضطرون لاحقًا إلى الاعتراف فقط بمقبرة. يجب أن نتحرك الآن للسماح بوصول واسع للطعام والرعاية الصحية".
التحذيرات التي جاءت من شخصيات تحمل وزنًا معنويًا – حيث شغل بارنافي منصب سفير إسرائيل في فرنسا بين عامي 2000 و2002، بينما أدار لومير مركز الأبحاث الفرنسي في القدس حتى أغسطس 2023 – تكتسب بعدًا رمزيًا وسياسيًا، لا سيما في ظل مناشدتهما لماكرون بألا يخلط بين "الضجيج الدبلوماسي والواقع الميداني"، مؤكدين أن "الوعد بالاعتراف لا يغني من جوع"، في إشارة إلى إعلان باريس نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
كما أشارا إلى أن دعوات الضم الإسرائيلي للضفة الغربية، التي صوّت عليها الكنيست في 23 يوليو بأغلبية كبيرة، تضعف أي فرص لتسوية سياسية، وتزيد من عزلة إسرائيل الجغرافية، ما يجعل العقوبات – برأيهما – أكثر تأثيرًا وسرعة من أي وقت مضى.
في السياق، يواجه ماكرون تزايدًا في الضغوط السياسية والحقوقية داخل بلاده، بالتزامن مع احتدام النقاش الأوروبي حول مستقبل العلاقة مع حكومة بنيامين نتنياهو، وسط اتهامات متصاعدة باستخدام المجاعة كسلاح في غزة.
ويبدو أن هذا النداء يمثل نقطة انعطاف جديدة، حيث يتقاطع مع انتقادات متزايدة داخل أوروبا لنهج "الصمت الفعّال" إزاء الحرب، ويفتح الباب أمام نقاش أوسع حول جدوى الاستمرار في السياسة الحالية، خصوصًا مع تعثر كل الجهود لوقف إطلاق النار أو إطلاق سراح الأسرى.