مفاوضات معاهدة البلاستيك العالمية – جنيف

تقرير _ رباب الامين

2025.08.05 - 05:31
Facebook Share
طباعة

في الخامس من أغسطس 2025، انطلقت في مدينة جنيف السويسرية الجولة الخامسة من مفاوضات "معاهدة البلاستيك"، التي تجري تحت إشراف برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتعد واحدة من أخطر وأهم المفاوضات البيئية الجارية عالميًا. تجمع هذه القمة ما يزيد عن 170 دولة، إضافة إلى ممثلين عن القطاع الصناعي، والمجتمع المدني، ومنظمات بيئية عالمية، وذلك بهدف صياغة معاهدة دولية مُلزمة قانونيًا للحد من التلوث البلاستيكي بجميع أشكاله.
تأتي هذه الجولة، المعروفة باسم "INC-5.2"، في أعقاب فشل نسبي للجولة السابقة التي عُقدت في بون الألمانية في يونيو الماضي، حيث اصطدمت التطلعات الأممية والإفريقية بتمسك بعض الدول الكبرى المنتجة للنفط والبلاستيك بمواقفها، ورفضها لمقترحات تُلزم بخفض الإنتاج من المصدر.

أبعاد الكارثة:

بحسب تقرير صادر عن منظمة "تحالف من أجل مستقبل خالٍ من البلاستيك"، ينتج العالم سنويًا ما يقارب 380 مليون طن من البلاستيك، يُستخدم نصفها تقريبًا لمرة واحدة فقط، ثم ينتهي جزء كبير منها في البيئة الطبيعية. يُقدَّر أن أكثر من 11 مليون طن من هذه النفايات تصل إلى المحيطات سنويًا، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للتنوع البيولوجي البحري، ويُسبب آثارًا صحية محتملة على الإنسان عبر السلسلة الغذائية.
وبينما تتحدث بعض الدراسات عن إمكانية تضاعف هذه الأرقام بحلول عام 2040، في حال لم تُتخذ إجراءات جذرية، فإن التوصل إلى اتفاق عالمي لم يعد خيارًا بل ضرورة عاجلة.
الانقسام الحاد بين الدول:

المفاوضات شهدت انقسامًا حادًا بين كتلتين رئيسيتين:

1. الكتلة الطموحة: تقودها دول مثل رواندا والنرويج وكندا ودول من الاتحاد الأوروبي، وتطالب بمعاهدة قوية تُركز على خفض إنتاج البلاستيك من المصدر، وتنص على التزامات واضحة ملزمة، وتضع سقفًا لإنتاج واستهلاك أنواع معينة من البلاستيك، خصوصًا البلاستيك أحادي الاستخدام.

2. الكتلة المحافظة: تضم دولًا مثل المملكة العربية السعودية وروسيا والصين والهند والبرازيل، وهذه الدول تدفع باتجاه التركيز فقط على إدارة النفايات وتحسين عمليات التدوير، دون المساس بإنتاج البلاستيك أو فرض قيود على الصناعات البتروكيميائية، التي تُعد مصدرًا أساسيًا للدخل لديها.

وبين هاتين الكتلتين، تقف دول نامية أخرى، خصوصًا من إفريقيا وآسيا، تطالب بما يُعرف بـ"العدالة البيئية"، أي ضرورة مراعاة قدراتها التقنية والمالية، وتوفير تمويل عادل ومناسب لضمان تنفيذ أي معاهدة.

أبرز محاور الخلاف:

يبقى التحدي الأبرز أمام المفاوضين هو كيفية صياغة اتفاق يجمع بين الطموح البيئي والعدالة الاقتصادية فبدون التزامات حقيقية بخفض الإنتاج وتوفير تمويل للدول الأقل نمواً ستكون المعاهدة مجرد وثيقة بلا أثر.

لكن المؤشرات حتى الآن تُظهر أن الطريق لا يزال مليئًا بالعقبات، وأن التوصل إلى معاهدة قوية يتطلب تنازلات من جميع الأطراف، وتغليب المصلحة الكوكبية على الاعتبارات الوطنية الضيقة.

أصوات منظمات المجتمع المدني:

في بيان صادر عن تحالف يضم أكثر من 250 منظمة بيئية، تم توجيه انتقادات حادة لمسودة الاتفاق الأولية، وُصفت بأنها "ضعيفة وخالية من الطموح". ودعت المنظمات إلى تعزيز مشاركة المجتمعات المتضررة من التلوث البلاستيكي، خاصة في الدول النامية، في صياغة الحلول وتنفيذها.

كما أكدت منظمة السلام الأخضر (Greenpeace) أن أي اتفاق لا يتضمن أهدافًا واضحة لخفض الإنتاج من المصدر، هو بمثابة "ترخيص لمواصلة التلويث".
دور الصناعة:

ممثلو بعض الشركات الكبرى في مجال تصنيع المواد البلاستيكية شاركوا في جلسات المفاوضات بصفتهم كمراقبين. وقد دفع بعضهم برؤية مفادها أن الحل يكمن في الابتكار والتقنيات الجديدة، وليس عبر فرض قيود على الإنتاج.
لكن هذا الطرح ووجه بتحفظ من وفود ومنظمات اعتبرت أن التجارب السابقة أثبتت محدودية الاعتماد على الحلول التقنية وحدها، وأن الإرادة السياسية والتشريعات الصارمة هي الأساس.

الرهان على الحسم:

المفاوضات يُفترض أن تستمر حتى 14 أغسطس، على أن تُعرض النسخة النهائية من المسودة خلال الجلسة الختامية. ومع تصاعد الضغوط الدولية، بدأ الحديث يدور عن إمكانية اللجوء إلى التصويت، بدلًا من التوافق بالإجماع، وهو ما قد يسرّع العملية ولكنه يحمل مخاطر في قبول التنفيذ.


وتأمل الأمم المتحدة أن يُعتمد الاتفاق النهائي في مؤتمر يُعقد نهاية العام الجاري، ليكون بمثابة أول اتفاق بيئي عالمي منذ اتفاق باريس للمناخ عام 2015.

التحديات المقبلة:

يبقى التحدي الأبرز أمام المفاوضين هو كيفية صياغة اتفاق يجمع بين الطموح البيئي والعدالة الاقتصادية. فبدون التزامات حقيقية بخفض الإنتاج وتوفير تمويل للدول الأقل نموًا، ستكون المعاهدة مجرد وثيقة بلا أثر.

لكن المؤشرات حتى الآن تُظهر أن الطريق لا يزال مليئًا بالعقبات، وأن التوصل إلى معاهدة قوية يتطلب تنازلات من جميع الأطراف، وتغليب المصلحة الكوكبية على الاعتبارات الوطنية الضيقة.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 2