بعد أكثر من عشر سنوات على اندلاع الحرب في اليمن، تقف دول الخليج أمام مشهد معقد تتقاطع فيه الاعتبارات السياسية مع التحديات الأمنية والإنسانية.
ومن تدخل عسكري هدفه المعلن دعم الشرعية، إلى واقع ميداني متشظٍ، باتت دول مجلس التعاون الخليجي تراجع مواقفها، كلٌّ بحسب أولوياته وتقديراته.
البداية: تدخل تقوده السعودية والإمارات:
في عام 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إطلاق عمليات عسكرية مشتركة في اليمن، عبر ما عُرف بـ"عاصفة الحزم"، بهدف دعم الحكومة المعترف بها دوليًا، ووقف تمدد جماعة أنصار الله (الحوثيين). انضمت دول خليجية أخرى، مثل البحرين والكويت وقطر (قبل انسحابها لاحقًا بعد أزمة الخليج عام 2017)، إلى التحالف بدرجات متفاوتة.
مع تعقد الواقع الميداني، تبدلت المعطيات، وبدأت تظهر تباينات في الرؤى الخليجية تجاه استمرار الحرب ومآلاتها.
التحول السعودي: من الحسم إلى التهدئة:
المملكة العربية السعودية، التي تصدّرت المشهد العسكري في بدايته، بدأت منذ عام 2021 في اتخاذ خطوات نحو خفض التصعيد، عبر محادثات غير مباشرة مع جماعة الحوثي، بوساطة عُمانية. أتى ذلك بعد تعرض المملكة لسلسلة هجمات على منشآت حيوية، وتزايد الضغوط الدولية لإنهاء النزاع.
الرياض باتت أكثر انفتاحًا على خيار التسوية السياسية، مع التأكيد على ضرورة أن يكون الحل شاملًا ويمنيًا، ويضمن الاستقرار الإقليمي.
الإمارات: إعادة التموضع وتعزيز النفوذ المحلي:
الإمارات العربية المتحدة أعلنت في 2019 تقليص وجودها العسكري المباشر، لكنها احتفظت بحضور فاعل من خلال دعم قوات محلية، خصوصًا في جنوب اليمن والسواحل الغربية. أبرز هذه الكيانات هو المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله.
ورغم الخلافات الظاهرة أحيانًا بين الرياض وأبوظبي بشأن أولويات المرحلة، ظل التنسيق قائمًا حول الملفات الكبرى.
الكويت والبحرين: دعم سياسي وإنساني:
شاركت الكويت والبحرين في التحالف في بدايته عبر إسهام محدود عسكريًا، مع استمرار الدعم السياسي والإنساني. الكويت لعبت في فترات متعددة دور الوسيط، واستضافت جولات تفاوض بين الأطراف اليمنية، خاصة عام 2016، في محاولة لإيجاد مخرج سياسي للأزمة.
قطر: انسحاب مبكر وموقف مستقل بعد الأزمة الخليجية:
قطر كانت جزءًا من التحالف في بدايته، لكنها انسحبت منه عقب الأزمة الخليجية منتصف عام 2017. منذ ذلك الحين، اتخذت موقفًا مستقلًا، يركّز على الدعم الإنساني عبر مؤسساتها الخيرية، دون الانخراط المباشر في الملف العسكري أو السياسي.
سلطنة عُمان: الوسيط الصامت
رغم عدم مشاركتها في التحالف العسكري، حافظت سلطنة عُمان على دورها التاريخي كوسيط إقليمي، واستضافت العديد من اللقاءات غير المعلنة بين أطراف النزاع، بما في ذلك بين السعودية والحوثيين. موقف مسقط ظل ثابتًا في الدعوة إلى الحل السياسي الشامل، والابتعاد عن التصعيد العسكري.
تباينات داخل المجتمعات الخليجية:
مع مرور الوقت، بدأت المجتمعات الخليجية، وخاصة في السعودية والإمارات، تُبدي قدرًا متزايدًا من الحذر والتساؤل تجاه استمرار الحرب. الأعباء المالية، والمآسي الإنسانية، والغموض السياسي، كلها عوامل ساهمت في تراجع الحماسة العامة للصراع، رغم استمرار الدعم الرسمي لبعض المسارات.
الكارثة الإنسانية في اليمن:
تُعد الأزمة الإنسانية في اليمن من بين الأسوأ عالمياً وفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، فإن أكثر من 24 مليون يمني—أي ما يقارب 80% من السكان—يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، بما يشمل الغذاء، والمياه، والرعاية الصحية، والتعليم، والحماية.
ملايين الأشخاص أُجبروا على النزوح الداخلي، وتفاقمت معدلات الفقر، وسُجّلت حالات واسعة من تفشي الأمراض ونقص التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء.
هذا الواقع يضع تحديًا إنسانيًا وأخلاقيًا أمام كل الأطراف، ويؤكد أن آثار الحرب تجاوزت نطاق المعارك لتطاول أساسيات الحياة اليومية للسكان.
وفي مقابل ذلك، تحمّلت دول الخليج أعباءً ضخمة في تمويل عمليات الإغاثة وتقديم الدعم، إلا أن غياب الاستقرار السياسي واستمرار الانقسام أعاق تحويل هذه الجهود إلى نتائج دائمة وفعالة.
هذه الأزمة أفرزت تحديات إضافية لدول الخليج، التي تحملت أعباءً مالية كبيرة في إطار الدعم الإغاثي، دون تحقيق نتائج سياسية مستقرة.
غياب الحل النهائي:
على الرغم من بعض مؤشرات التهدئة، لا يزال مستقبل اليمن مفتوحًا على كل الاحتمالات تظل التسوية السياسية بعيدة، والانقسامات اليمنية الداخلية عميقة، في وقت تسعى فيه بعض دول الخليج إلى إعادة ضبط استراتيجياتها وتحديد أولوياتها في الملف.