تجويع مصمم هندسيًا وسياسيًا.. إسرائيل تصنع الجوع في غزة

2025.08.04 - 12:03
Facebook Share
طباعة

 

كتبت– أماني إبراهيم

 

كشفت صحيفة ذا غارديان البريطانية أن المجاعة المتفاقمة في قطاع غزة ليست نتيجة عرضية للحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023، بل سياسة إسرائيلية ممنهجة تستخدم الغذاء كسلاح عقابي جماعي، فقد أظهرت وثائق رسمية إسرائيلية أن تل أبيب تعرف بدقة الكمية الضرورية من الغذاء التي يحتاجها سكان القطاع للبقاء على قيد الحياة، لكنها تسمح بإدخال أقل من ربع تلك الكمية فقط، ما أدى إلى انهيار إنساني شامل.

 

 

وأكدت في تحقيقها أن هيئة "كوغات" العسكرية الإسرائيلية كانت قد حسبت في عام 2008 أن الحد الأدنى المطلوب يوميًا للفرد هو 2279 سعرة حرارية (ما يعادل 1.8 كغ من الطعام)، ولكن إسرائيل لا تسمح اليوم إلا بدخول ما يعادل 56 ألف طن شهريًا، بينما تحتاج غزة فعليًا إلى أكثر من 62 ألف طن لتغطية الحد الأدنى لحاجات سكانها البالغ عددهم أكثر من 2.1 مليون نسمة.


السياسة الإسرائيلية تعود إلى تصريحات قديمة لمستشار رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت عام 2006 قال فيها: "الهدف هو وضع الفلسطينيين على حمية غذائية دون أن يموتوا جوعًا"، وهي العبارة التي تحولت إلى عنوان لسياسة إسرائيل في القطاع المحاصر.

 

 

 

ورغم الإنكار الإسرائيلي المتكرر لوجود مجاعة، فإن الأرقام لا تدعم هذا النفي، إذ تشير بيانات من وزارة الصحة في غزة إلى أن 175 فلسطينيًا توفوا جوعًا منذ بدء الحرب، بينهم 93 طفلًا، بينما تجاوز عدد وفيات الجوع خلال يوليو فقط 154 حالة، ما يشير إلى تسارع مرعب في وتيرة الانهيار الغذائي والصحي.

 

 

تقول منظمات الإغاثة الدولية إن أقل من 100 شاحنة مساعدات تدخل القطاع يوميًا، في حين أن القطاع بحاجة إلى ما لا يقل عن 600 إلى 700 شاحنة يوميًا لتغطية احتياجاته الأساسية، ومع ذلك، تتعرض هذه الشاحنات في كثير من الأحيان للنهب، حيث قُتل أكثر من 50 فلسطينيًا وأصيب 600 آخرون عندما اقتربوا من قافلة مساعدات تابعة لبرنامج الغذاء العالمي في شمال غزة، وتعرضوا لإطلاق نار من القوات الإسرائيلية خلال محاولتهم الحصول على الطعام.

 

 

 

وفي المقابل، لجأت إسرائيل إلى الإسقاط الجوي للمساعدات، حيث أجرت عمليات إسقاط على مدار 104 أيام من أصل 21 شهرًا من الحرب. ومع أن تلك العمليات كلفت عشرات الملايين من الدولارات، إلا أنها وفرت ما يكفي من الغذاء لأربعة أيام فقط، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة محاولة "لتجميل المجاعة"، بدلًا من معالجة جذورها عبر فتح المعابر بشكل مستدام.

 

وأعلنت لجنة مراجعة المجاعة الدولية (IPC) أن غزة دخلت بالفعل في سيناريو "أسوأ حالة ممكنة"، مؤكدة أن جميع مؤشرات المجاعة تم تجاوزها في يونيو الماضي، وسط تحذيرات من أن الوضع الغذائي قد لا يكون قابلًا للإنقاذ ما لم تحدث تغييرات سياسية وجذرية فورية.

 

وفي تقييم صادم، قالت اللجنة: "حتى لو تم توزيع جميع أكياس الدقيق بكفاءة مطلقة، ومع غياب العنف، فإن المجاعة ستظل محتومة، لأن كمية الغذاء المتوفرة ببساطة غير كافية".

 

 

من جانبها، اتهمت الأمم المتحدة مؤسسة "غزة الإنسانية"، المدعومة من بعض الدوائر الأميركية، بفشلها في توفير الحد الأدنى من الإغاثة المطلوبة، كما وصفت مراكز توزيعها بأنها "غير آمنة" وقد تسببت في سقوط ضحايا بين المدنيين.

 

 

 

على الجانب السياسي، تصاعدت الدعوات الدولية لإنهاء الحصار وفتح المعابر، حيث طالبت فرنسا وبريطانيا وكندا بالاعتراف بدولة فلسطين كخطوة نحو كسر الجمود. فيما زار مبعوثا إدارة ترامب، السفير مايك هوكابي ورجل الأعمال ستيف ويتكوف، غزة لتقييم توزيع المساعدات، في زيارة أثارت جدلًا واسعًا بعد أن رفضت الأمم المتحدة التعامل مع الجهات التي يمثلانها باعتبارها "تفتقر للحياد والفاعلية".

 

 

وتُظهر الصور الواردة من مستشفيات غزة حجم المأساة: أطفال لا يتجاوز وزنهم 6 كغم، وأمهات يعانين من الإغماء أثناء البحث عن الغذاء، وأمراض سوء تغذية حادة تتفاقم بسبب انهيار البنية الصحية والصرف الصحي. وأكد خبراء من منظمة الصحة العالمية أن الآثار النفسية والجسدية للمجاعة قد تمتد لأجيال، حتى لو توقف الحصار الآن.

 

 

تقول منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية، مثل "بتسيلم" و"هيومن رايتس ووتش"، إن سياسة التجويع الممنهج التي تعتمدها إسرائيل قد تُصنف كـجريمة حرب بموجب القانون الدولي، لا سيما وأن الوثائق تثبت التخطيط المتعمد والمسبق لهذه السياسات، والتي تهدف إلى تدمير البنية المجتمعية والإنسانية في غزة عبر "معادلة الجوع".

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 2