لجنة تحقيق السويداء: العدالة تبدأ من هنا

رزان الحاج

2025.08.03 - 11:28
Facebook Share
طباعة

 في خطوة وُصفت بأنها مفتاح لمرحلة جديدة من المساءلة الوطنية، أعلنت لجنة التحقيق الخاصة بأحداث محافظة السويداء مباشرتها العمل رسمياً، مع تعهد واضح بإعداد تقرير شفاف يشمل أسماء المتورطين في الانتهاكات الأخيرة وإحالتهم إلى القضاء وفق الأصول القانونية.


اللجنة، التي شُكّلت بتوجيه مباشر من رئاسة الجمهورية، باشرت أولى جلساتها الرسمية اليوم من مقر وزارة العدل في دمشق، برئاسة وزير العدل الدكتور مظهر الويس، وسط تأكيدات بأن مهمتها ليست قضائية بل تحقيقية توثيقية، وأن هدفها الأساسي هو كشف الحقائق وإنصاف الضحايا وتعزيز الثقة بمؤسسات الدولة.


لجنة مستقلة بصلاحيات موسعة
خلال الجلسة الافتتاحية، تم اختيار القاضي حاتم النعسان رئيساً للجنة، وتعيين المحامي عمار عز الدين متحدثاً رسمياً باسمها، في حين تقرر فتح خطين هاتفيين لتلقّي الشكاوى من أبناء السويداء، وتخصيص مقر دائم داخل وزارة العدل لمتابعة العمل الميداني والتحقيقات اليومية.


وأكد النعسان أن اللجنة ستبدأ أعمالها فوراً من خلال التواصل مع الجهات المحلية، والاستماع إلى شهادات المتضررين وجمع الأدلة، مشيراً إلى أن التحقيقات ستتم بطريقة شفافة وبمشاركة قانونيين وخبراء مستقلين لضمان الحيادية والمصداقية.


لا تهاون مع مرتكبي الانتهاكات
المتحدث الرسمي باسم اللجنة، المحامي عمار عز الدين، أوضح في تصريح إعلامي أن اللجنة لا تمارس أي دور قضائي ولا تتدخل في إصدار الأحكام، بل تقتصر مهمتها على التحقيق وتجهيز الملفات القانونية وإحالتها إلى الجهات المختصة. وأكد أن اللجنة "منفتحة على التعاون مع أي جهة دولية، لكن من غير الممكن تشكيل لجنة تحقيق أجنبية طالما أن الدولة قادرة على إجراء تحقيق وطني نزيه."


وأضاف أن اللجنة سترفع تقريرها النهائي إلى الجهات القضائية والرسمية، مع نسخة سيتم إرسالها إلى الأمم المتحدة، وذلك في إطار تعزيز الشفافية الدولية والتأكيد على التزام الدولة السورية بمبادئ العدالة والمساءلة.


إشارات سياسية وقانونية
في معرض تعليقه على ما شهدته بعض مناطق السويداء من رفع رموز ورايات أجنبية، شدد عز الدين على أن "رفع علم الاحتلال الإسرائيلي فوق الأراضي السورية يُعد جريمة قانونية وسياسية لا يمكن التغاضي عنها"، موضحاً أن مسألة التفاوض أو التوقيع على اتفاقيات دولية يجب أن تخضع لأحكام الدستور، وأن أي اتفاق سلام لا يكون شرعياً ما لم يمر عبر مجلس الشعب.


وأشار المتحدث إلى أن التعليمات الرئاسية واضحة وصريحة، وتشدد على "محاسبة كل من يثبت تورطه في الانتهاكات، دون استثناء لأي جهة أو صفة، بما في ذلك عناصر أمنية أو مسؤولون محليون"، مؤكداً أن الدولة ترفض الحلول الأمنية في السويداء وأن المعالجة ستكون عبر القانون والمؤسسات.


بوصلة نحو العدالة الانتقالية؟
تشكيل اللجنة وبدء عملها يعكسان تحولاً لافتاً في نهج الدولة تجاه أحداث السويداء، إذ لطالما كانت تلك الملفات تُدار في كواليس الأجهزة الأمنية بعيداً عن الرأي العام. اليوم، هناك رغبة معلنة بتقديم إجابات شفافة للرأي العام السوري، خاصة في بيئة سياسية واجتماعية تطالب بإحقاق الحق ومحاسبة الفاعلين، أياً كانوا.


ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تشكل بداية حقيقية نحو ترسيخ العدالة الانتقالية، إذا ما تم الالتزام الكامل بتنفيذ مخرجات اللجنة، وإحالة المتورطين إلى القضاء، ومعالجة الجذور السياسية والاجتماعية التي أدت إلى التوتر في المحافظة.


مهام اللجنة وتحدياتها
تواجه اللجنة تحديات معقدة تتعلق بطبيعة الأحداث في السويداء، وحساسية التوازنات المحلية، فضلاً عن حاجة أبناء المحافظة لرؤية إجراءات ملموسة تعيد ثقتهم بالدولة ومؤسساتها. ومن المنتظر أن تُجري اللجنة لقاءات ميدانية مع الأهالي، وتستمع إلى شهادات شهود العيان، وتُعِد سجلاً تفصيلياً للضحايا، إضافة إلى توثيق الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالسكان.


كما يتوقع أن ترفع اللجنة توصيات تتعلق بمراجعة السياسات الأمنية والإدارية في المحافظة، واقتراح آليات لمعالجة أي تجاوزات مستقبلية قبل تفاقمها.


آمال مشروعة بمحاسبة عادلة
في الوقت الذي تسود فيه حالة من الترقب في الشارع السوري عموماً، وأوساط السويداء على وجه الخصوص، تأمل شرائح واسعة من المواطنين أن تكون اللجنة نواة فعلية لمرحلة جديدة من المساءلة، تُعيد الاعتبار لمفهوم العدالة وتعزز السلم الأهلي.


ففي مجتمع عانى طويلاً من غياب المحاسبة، وإفلات الكثيرين من العقاب، يُنظر إلى لجنة التحقيق اليوم كاختبار حقيقي لقدرة الدولة على الوفاء بوعودها واستعادة هيبتها عبر أدوات القانون، لا من خلال القمع أو التسويات المؤقتة.


وبينما لا تزال الوقائع قيد التحقيق، تبدو النوايا واضحة: لا غطاء لأحد، ولا استثناء من المحاسبة، والعدالة لن تكون انتقائية. ولكن تبقى العبرة، كما يقال، في التنفيذ.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 2