سلاح الدولة في لبنان... بين الشروط والضغوط

رامي عازار

2025.08.03 - 10:47
Facebook Share
طباعة

 قبل أيام قليلة من الجلسة المنتظرة لمجلس الوزراء اللبناني، تتصاعد وتيرة المشاورات السياسية والاتصالات الرئاسية في محاولة محمومة لتفادي انفجار حكومي جديد، هذه المرة على خلفية الملف الأكثر حساسية في البلاد: حصرية السلاح بيد الدولة.


الجلسة، المقررة الثلاثاء المقبل في القصر الجمهوري، توصف بالمفصلية، ليس فقط لأنها تضع على الطاولة ملفاً شائكاً مؤجلاً منذ سنوات، بل لأنها تأتي وسط ضغوط دولية متزايدة تطالب لبنان باتخاذ خطوات واضحة نحو تنفيذ تعهداته السيادية، وعلى رأسها تطبيق القرار 1701، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، ونزع سلاح جميع القوى المسلحة غير الشرعية، بما فيها سلاح "حزب الله".


الخلاف في التفاصيل... وتحديداً في الزمن
الجدل لا يدور حول المبدأ نفسه، فالجميع من حيث الشكل يوافق على أن السلاح يجب أن يكون حصرياً بيد الدولة، لكن الخلاف الحقيقي يتمحور حول المراحل الزمنية لتنفيذ ذلك. فبينما تدفع بعض القوى باتجاه وضع جدول زمني واضح ومُلزم لتسليم السلاح، يرفض "حزب الله" هذا الطرح بشكل قاطع ما لم تتوفر ضمانات مقابلة، وعلى رأسها الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، ووقف الانتهاكات الجوية والبرية، وتأمين إعادة الإعمار، وضمان أمن الحدود.


في هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة أن لقاءات مكثفة جرت بين الرؤساء الثلاثة خلال الأيام الماضية، إلى جانب مشاورات غير معلنة بين قصر بعبدا وحارة حريك، في محاولة لبلورة صيغة تحقّق التوازن بين مطالب المجتمع الدولي وبين "الهواجس الأمنية" التي يطرحها الحزب.


رعد لعون: لا جدول زمني دون ضمانات
خلال لقاء عُقد مؤخراً بين رئيس الجمهورية وأحد قيادات "حزب الله"، نُقل عن الأخير تمسك الحزب بعدم التفريط بسلاحه في ظل ما وصفه بـ"استمرار الخطر الإسرائيلي، وتعطيل مشاريع إعادة الإعمار، وغياب الضمانات الدولية الجدية". وأكد أن أي طرح يتضمن جدولاً زمنياً لسحب السلاح غير مقبول حالياً.


وفي المقابل، يرى مؤيدو الطرح الحكومي أن استمرار حالة التسلّح خارج المؤسسات الشرعية تُبقي لبنان في دائرة الشكوك الدولية، وتُعيق الاستثمار والدعم الخارجي، فضلاً عن أنها تقوّض مبدأ السيادة وتُضعف موقف الدولة في التفاوض على ملفات كبرى.


الذكرى الخامسة لانفجار المرفأ... والاحتقان الشعبي
تتزامن الجلسة الحكومية مع الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، ما يزيد المشهد توتراً. فالاتهامات السياسية والشعبية ما زالت تُحمّل "حزب الله" مسؤولية غير مباشرة عن الكارثة، في ظل اتهامات له بالسيطرة على المرفأ وتغطية المواد المخزنة فيه. هذا المناخ الشعبي الغاضب، يُضاف إلى الضغوط الخارجية، ما يجعل من الجلسة اختباراً حقيقياً لقدرة الحكومة على اتخاذ قرار سيادي جامع.


جهود احتواء داخلية... ومحاذير التصعيد
مصادر وزارية أكدت أن العمل جارٍ "لسحب أي فتيل يمكن أن يفجّر الجلسة"، مشيرة إلى أن الحزب وحركة أمل يتجهان للمشاركة في الجلسة، بشرط التوصل إلى صيغة متوازنة تحفظ موقفهما، ولا تمسّ بسلاح "المقاومة" دون مقابل. وقد تم التوافق، حسب المعلومات، على أن المشاركة أو المقاطعة ستكون قراراً موحداً بين الطرفين.


من جهة أخرى، كشفت مصادر متابعة أن الصيغة النهائية للبيان الحكومي المرتقب ستعتمد خطاباً سيادياً، مع محاولة تدوير الزوايا بما يرضي جميع المكونات السياسية. ويُنتظر أن يتضمن البيان إشارات واضحة إلى ضرورة احتكار السلاح بيد الدولة، دون التطرق مباشرة إلى الحزب بالاسم.


بين الضغوط الدولية والمصلحة الوطنية
ما يزيد من دقة اللحظة، أن الضغط الدولي لم يعد يحتمل التأجيل، خصوصاً من جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة، التي تربط أي دعم للبنان بمدى التزامه بالإصلاحات، ومن ضمنها ضبط السلاح، وبسط سيطرة الدولة. وفي الوقت نفسه، لا تبدو أي من هذه الجهات مستعدة لتقديم ضمانات أمنية حقيقية للبنان، ما يترك الباب مفتوحاً أمام المماطلة أو التجميد المؤقت.


الخيارات ضيقة... والانفجار وارد
كل المؤشرات توحي بأن البلاد تقف أمام مفترق حاسم: إما التوصل إلى تسوية تحفظ ماء وجه الجميع وتُرضي الشركاء الدوليين، أو الدخول في نفق جديد من التعطيل وربما الانهيار الحكومي.


الساعات القليلة القادمة ستكون حاسمة، فإما اتفاق يُكتب في اللحظة الأخيرة، أو مواجهة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات. أما سلاح الدولة، فيبقى معلقًا بين الرغبة في السيادة... والخوف من الفوضى.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 4