شهدت سوريا في نهاية يوليو الماضي عمليات أمنية واسعة استهدفت قياديين بارزين من النظام السابق في محافظات حلب واللاذقية وحمص، في خطوة وصفت بأنها الأكبر من نوعها خلال الفترة الأخيرة. جاءت هذه الاعتقالات بعد إعلان لجنة تحقيق رسمية نتائج تقريرها حول أحداث الساحل السوري التي شهدت تصعيداً دامياً مطلع مارس الماضي.
كانت الأحداث في الساحل من أعنف المواجهات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، حيث قتل خلالها مئات العسكريين والمدنيين، وسط حصار وهجمات مسلحة متبادلة بين القوات الحكومية ومجموعات مسلحة خارجة عن القانون. وقد شكل الرئيس السوري لجنة خاصة لتوثيق هذه الأحداث، وأسفرت التحقيقات عن قوائم طويلة تضمنت أسماء مئات المشتبه بهم من مختلف الأطراف.
تفاصيل الاعتقالات
في حلب، تم اعتقال اللواء الطيار عماد نفوري، الرئيس السابق لأركان القوى الجوية، أثناء محاولته استخدام أوراق مزورة للهروب خارج البلاد. نفوري متهم بالتورط في قصف عدة مدن وبلدات، خلف مئات الضحايا، ما يجعله من أبرز المطلوبين في الملف الأمني.
أما في اللاذقية، فقد تم توقيف مالك علي أبو صالح، قائد ما يسمى "غرفة عمليات الساحل"، الذي خطط لهجمات استهدفت مواقع الجيش والقوى الأمنية خلال الأحداث. كما ألقي القبض على الوضاح سهيل إسماعيل المتهم بقيادة هجمات مسلحة في جبلة ومحيطها. وأوضح قائد الأمن الداخلي في اللاذقية أن التحقيقات أظهرت تنسيقًا بين هذه المجموعات وقيادات عسكرية سابقة، مع دعم لوجستي من "حزب الله" اللبناني.
وفي حمص، اعتقلت الأجهزة الأمنية أحمد عابد الفرج، أحد عناصر الميليشيات التابعة للنظام السابق، المتورط في عمليات قتل وتعذيب ممنهجة بحق المدنيين.
إحكام السيطرة وتداعيات الاعتقالات
يرى الخبير العسكري العقيد أحمد حمادي أن هذه الاعتقالات تشكل تحولًا نوعيًا في منهجية الأجهزة الأمنية، حيث انتقلت إلى مرحلة الرصد الدقيق وجمع المعلومات قبل التنفيذ، بدلًا من الإجراءات العشوائية السابقة. واعتبر أن القبض على شخصيات مثل نفوري وأبو صالح يعزز ثقة المواطنين في قدرة الدولة على فرض القانون وتحقيق العدالة دون استثناء.
بحسب حمادي، فإن هذه الخطوة تمهد لمرحلة جديدة تهدف إلى تقليص نفوذ المجموعات المسلحة وإعادة الاستقرار إلى الساحل السوري، بعد الانتهاكات الخطيرة التي شهدتها المنطقة في مارس الماضي. وأكد أن تأثير هذه الاعتقالات يتجاوز الساحل ليشمل المشهد السوري بشكل عام، حيث تتابع القوى السياسية والعسكرية داخل وخارج البلاد تحركات السلطات عن كثب.
مع ذلك، يرى الخبير العسكري أن تحقيق الاستقرار الدائم يتطلب تحويل هذه الملفات إلى القضاء، لضمان العدالة وعدم السماح بعودة الفوضى من جديد.
نتائج تقرير لجنة التحقيق في أحداث الساحل
صدرت نتائج لجنة التحقيق الرسمية قبل أيام قليلة، حيث وثق التقرير مقتل 1426 شخصًا، وأدان 265 فردًا من مجموعات مسلحة، إضافة إلى 298 عنصرًا من القوات الحكومية، بانتهاكات واسعة خلال الأحداث. وسلم التقرير رسميًا للرئيس السوري، متضمناً جداول بأسماء المشتبه بهم، لكن دون الكشف عنها للعامة.
رغم عدم إعلان وزارة الداخلية بشكل مباشر ارتباط الاعتقالات بنتائج التقرير، إلا أن التزامن الزمني بينهما يشير إلى وجود علاقة، سواء كرد فعل على توصيات التقرير أو محاولة لإظهار جدية الدولة في محاسبة المسؤولين من كل الأطراف.