أسباب تصاعد الطائفية في سوريا اليوم

2025.08.02 - 12:06
Facebook Share
طباعة

 
شهدت سوريا في الأشهر الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في التوترات الطائفية، خاصة بعد أحداث عنف مأساوية في مناطق مثل السويداء والساحل، ما كشف عن عمق الأزمة الطائفية التي تهدد وحدة البلاد وتماسك مجتمعها. هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل ناتجة عن تراكمات طويلة الأمد، انعكست بقوة بعد الحرب المستمرة والتدخلات الإقليمية والدولية.


يمكن تلخيص العوامل التي تغذي هذه الطائفية في ثلاثة أسباب رئيسية:
1. بيئة الحرب والتدخلات الخارجية
أحدثت الحرب في سوريا بيئة معقدة ومجزأة، ساهمت فيها التدخلات الخارجية بدور محوري في تشكيل كيانات طائفية وعرقية. ففي الشمال، ظهر مشروع حكم ذاتي كردي تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية، بينما في الجنوب حاول النظام أن يمنح بعض الطوائف مثل الدروز درجة من الإدارة اللامركزية لتجنب انخراطهم الكامل في الصراع.


هذه الأطروحات الإدارية اللامركزية أصبحت قاعدة حقيقية تُعزز التمايز بين المناطق والطوائف، ما يكرس فكرة التقسيم الفعلي للبلاد إلى كيانات قائمة على الانتماءات الطائفية والعرقية. وفي السويداء تحديدًا، زاد الوضع تعقيدًا مع تدخلات خارجية، منها دعم بعض القوى المسلّحة على الأرض، ما عمّق الانقسام وأشعل فتيل الصراع بين الدولة والمجموعات المحلية، مما يطرح تساؤلات عن الأهداف الحقيقية لهذه التدخلات التي تهدف في مجملها إلى تفتيت النسيج الوطني السوري.


2. مخاوف المكونات من الحكم الجديد
يرتبط هذا السبب بالهواجس التي تحملها بعض المكونات تجاه السلطة الجديدة التي تشكلت بعد سقوط النظام القديم، والتي تمثل غالبية من جهة، وخلفيات أيديولوجية مختلفة من جهة أخرى. تلك المخاوف تعكس عدم ثقة عميقة بين الأطراف المختلفة، حيث تخشى بعض الطوائف من هيمنة الأكثرية أو فقدان تأثيرها.


لكن من المهم أن نفهم أن هذه الهواجس ليست الدافع الوحيد، بل هي جزء من أزمة أعمق تتعلق بالمطالب السياسية والمجتمعية التي لا يمكن تجاوزها بسهولة، حيث تمس أطروحات الحكم الذاتي واللامركزية التي تبناها بعض الفاعلين منذ فترة الصراع، مما يجعلها من الثوابت مهما تغيرت القوى الحاكمة.


في مناطق أخرى مثل الساحل، تجلى هذا التوتر في تحركات تمردية استهدفت تغيير واقع الحكم، ومحاولة تأسيس نموذج جديد يعتمد على الخصوصية الطائفية أو العرقية، في محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بشكل يضمن مكاسب خاصة لهذه المكونات على حساب وحدة الدولة.


3. تقاطع مصالح معادية للحكم الجديد
تشكلت جبهة معارضة متشابكة بين عدة أطراف داخلية ترفض السلطة القائمة، وتسعى لتقويضها عبر تعزيز الهوية الطائفية كأداة للصراع والضغط. هذا التقاطع يظهر بوضوح التوتر بين الأقلية التي تشعر بأنها مهددة، والأغلبية التي تمثل السلطة الجديدة.


على الرغم من تبني السلطات الجديدة توجهًا وطنياً ينكر المحاصصة الطائفية، إلا أن الواقع الطائفي المجتمعي يفرض تحديات كبيرة، تجعل من إشراك جميع المكونات في السلطة ضرورة حتمية لتحقيق الاستقرار. هذا التحدي يشكل حجر عثرة في طريق بناء دولة موحدة وقادرة على احتواء تنوعها العرقي والطائفي.


إن ما يجري في مناطق مثل السويداء والساحل ليس مجرد صراعات عابرة، بل تعبير عن أزمة بنيوية عميقة في النسيج الاجتماعي السوري، تمهد لحقبة طويلة من التوترات الطائفية التي قد تعرقل بناء دولة موحدة. إذ أن هذه الأحداث تفاقم من حالة العداء بين مكونات متعددة، وتضعف القوى الوطنية التي تسعى لتحقيق التعايش والتفاهم الشامل.


اليوم، تواجه سوريا مفترق طرق حاسم: إما المضي قدماً في بناء دولة قائمة على المواطنة والمساواة بين المكونات، أو الانجرار نحو منطق الأقليات والأكثرية الذي يقود إلى المزيد من الاضطرابات والتفتت.


يتطلب النجاح في هذه المرحلة تبني رؤية وطنية شاملة، تقوم على إعادة بناء الثقة بين المكونات المختلفة، وضمان مشاركة عادلة في السلطة، إلى جانب إطلاق عملية مصالحة وطنية حقيقية ترسم إطاراً للعيش المشترك بعيداً عن الانقسامات الطائفية.


هذه الخطوات ليست مجرد شعارات، بل تحتاج إلى تنفيذ فعلي عبر سياسات واضحة ومستدامة، تعالج جذور الأزمة وتعزز وحدة البلاد. وفي ذات الوقت، تشكل هذه التحديات فرصة لإعادة تقييم الواقع السياسي والاجتماعي السوري، وتصحيح المسارات نحو مستقبل أكثر استقراراً وسلاماً.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 8