شهد شهر تموز/يوليو 2025 تصعيدًا غير مسبوق في تحركات "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة داخل الأراضي السورية، في مؤشر على تحوّل لافت في طبيعة الوجود العسكري والاستراتيجية الأمنية المتبعة.
تنوّع النشاط بين تعزيزات جوية وبرية، وعمليات أمنية نوعية، وتدريبات عسكرية مكثفة، شملت مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ومناطق نفوذ الحكومة السورية، وحتى مناطق "الجيش الوطني" الموالي لتركيا، ما يعكس توسيع رقعة العمليات وإعادة رسم خطوط الاشتباك بشكل غير تقليدي.
تحركات جوية وبرية موسعة
منذ مطلع الشهر، شهدت قواعد التحالف، خصوصًا في شمال وشرق سوريا، سلسلة عمليات تعزيز لوجستي وميداني تمثلت بهبوط سبع طائرات شحن عسكرية محمّلة بمعدات وأسلحة متطورة وجنود. وتمركزت هذه الطائرات في قواعد "خراب الجير" و"قسرك"، وسط تحليق مكثف للطيران المروحي لأغراض الحماية.
بالتوازي، استُقدمت 244 شاحنة عبر معبر الوليد الحدودي قادمة من إقليم كردستان العراق، محملة بعتاد عسكري وكتل إسمنتية وصهاريج وقود ومدرعات، في خطوات عكست حالة من الاستنفار غير المعلنة لدى القوات الأميركية. تركزت هذه التعزيزات في قواعد "قسرك" و"خراب الجير"، مع تنفيذ تحركات داخلية لإعادة التموضع ونقل المعدات بين القواعد.
تدريبات عسكرية مكثفة ورفع الجاهزية
نفّذت قوات التحالف، بالتعاون مع "قسد"، عشر تدريبات عسكرية خلال الشهر، شملت الذخيرة الحية، إنزالات جوية، ومهام محاكاة لصد هجمات وتحرير رهائن. وجرى بعضها في قواعد الشدادي وغويران، وأخرى في حقل العمر النفطي، الذي يُعد أحد أكبر مواقع التحالف في سوريا.
تميزت هذه التدريبات باستخدام أسلحة متقدمة، مثل الأنظمة الليزرية المضادة للطائرات المسيّرة، وهو ما يعكس قلقًا متزايدًا من تهديدات جوية محتملة، إلى جانب سعي واضح لتعزيز التنسيق الميداني ورفع كفاءة "قسد" في التعامل مع الهجمات غير التقليدية.
عمليات أمنية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"
في الجانب الأمني، نفذ التحالف و"قسد" ثماني عمليات أمنية نوعية استهدفت خلايا التنظيم في الحسكة ودير الزور والرقة، وأسفرت عن اعتقال 20 عنصرًا، من بينهم "أمراء" و"شرعيون" وقياديون ميدانيون.
أبرز هذه العمليات كان إنزالًا جويًا في قرية أبو النيتل بريف دير الزور الشمالي، واعتقال "محمود صافي" و"عبد الرزاق محمود"، وهما من العناصر المؤثرة داخل التنظيم، حيث وُجهت لهما اتهامات بتجنيد الأطفال والضلوع في عمليات تهريب.
كما شهدت منطقة مخيم الهول عمليتين متتاليتين أسفرتا عن اعتقالات لأشخاص يشتبه في ضلوعهم بتجنيد عناصر للتنظيم وقيادة خلايا نائمة داخله.
دخول مناطق نفوذ دمشق والجيش الوطني
ولأول مرة منذ شهور، نفذ التحالف عمليتين داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية، إحداهما في ريف إدلب وأخرى في ريف البوكمال، باستخدام طائرات مسيّرة، ما أدى إلى مقتل أو إصابة المستهدفين. وتُعد هذه الخطوة تصعيدًا مباشرًا في اختراق المناطق "الحساسة" داخل الخارطة الأمنية السورية.
وفي تطور نوعي، شهدت مدينة الباب بريف حلب الشرقي عملية إنزال جوي نادرة استهدفت خلية من التنظيم، يُعتقد أن أحد أفرادها يحمل الجنسية العراقية. وتبعها بيوم غارة جوية قتلت قياديًا بارزًا يدعى "ضياء زوبع الحرداني" واثنين من أبنائه، ضمن أولى عمليات التحالف العلنية في مناطق خاضعة لفصائل مدعومة من أنقرة.
يبدو أن التحالف يتجه تدريجيًا نحو استراتيجية مرنة وغير مقيدة جغرافيًا، تسمح له بضرب الأهداف أينما وُجدت، سواء في مناطق سيطرة "قسد" أو خصومها. هذا التحول قد يفرض تحديات جديدة على القوى الإقليمية والمحلية، خصوصًا في ظل غياب تفاهمات سياسية تنظم تلك العمليات وتضبط الحدود بين القوى المتصارعة.