في قلب جبل الزاوية، أحد أهم المناطق الأثرية في شمال غرب سوريا، تتعرض معالم تاريخية فريدة لخطر الزوال تحت وطأة التنقيب العشوائي والنهب المنظم، وسط غياب تام لأي سلطة تحمي هذا الإرث الحضاري العريق. فمع استمرار الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية، باتت المواقع الأثرية هدفًا مفتوحًا لأعمال التخريب والسرقة، ما يهدد بطمس هوية ثقافية تعود إلى آلاف السنين.
يُعرف جبل الزاوية باحتوائه على مئات المواقع التاريخية التي تعود للعصور الرومانية، والبيزنطية، والإسلامية المبكرة. من أبرزها مدينة "البارة" الأثرية، التي تضم كنائس وأديرة ومعاصر زيت ومساكن حجرية، وموقع "سرجيلا" الشهير بمبانيه الضخمة وقبوره المحفورة في الصخر، إضافة إلى قرى أثرية مثل إحسم ورويحة، وجميعها مدرجة على قائمة التراث العالمي. هذه الكنوز المعمارية والثقافية أصبحت اليوم مهددة بالاندثار تحت مجارف الباحثين عن "الكنز"، الذين لا يرون فيها إلا موردًا ماديًا سريع الربح.
تشير المعلومات من داخل المنطقة إلى ازدياد عمليات الحفر غير الشرعية حيث دفع الفقر المدقع الكثيرين للانخراط في أعمال التنقيب والبيع عبر شبكات تهريب محلية وخارجية. ويؤكد أحد المتعاملين في تجارة الآثار أن هناك أشخاصًا متنفذين يسهلون هذه العمليات ويغضّون الطرف عن الجرائم المرتكبة بحق الذاكرة الوطنية.
لم تعد هذه الممارسات تقتصر على أفراد عاديين؛ بل يُقال إن بعض الجهات النافذة تشرف على تهريب القطع النادرة إلى خارج البلاد، حيث تُباع بأسعار خيالية في الأسواق السوداء الدولية. ويجري ذلك كله وسط غياب قوانين فعالة لحماية التراث، وتقاعس الجهات المسؤولة عن ملاحقة الفاعلين أو وقف التدمير المنهجي الجاري.
وقد أدى التنقيب العشوائي إلى إتلاف واسع في البنى المعمارية للمواقع، وطمس تفاصيل أثرية دقيقة كانت توثّق تطور الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية عبر العصور. الأمر لم يعد مجرد انتهاك قانوني، بل جريمة ثقافية موصوفة تُرتكب بحق الأجيال القادمة، التي قد لا تجد شيئًا من هذا الإرث المتنوع لتتعرف به على جذورها.