تقدّم مهاجر فنزويلي بدعوى قضائية ضد وزارة الأمن الداخلي الأميركية، كاشفاً عن تفاصيل ما وصفه بـ"انتهاكات" خلال ترحيله إلى السلفادور، ضمن برنامج غير معلن لترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى دول أخرى لا ينتمون إليها بالضرورة.
القضية أعادت إلى الواجهة واحدة من أكثر السياسات الأميركية إثارة للانتقادات في ملف الهجرة، وهي ترحيل المهاجرين إلى "دول ثالثة" كجزء من اتفاقيات سرية أو محدودة الإعلان، مقابل مكاسب سياسية أو مالية للدول المستقبلة.
ترحيل عبر محطات متعددة
المهاجر الفنزويلي المذكور، يُدعى يرفر رينجل، رُحّل من الأراضي الأميركية إلى السلفادور، قبل أن يُعاد لاحقاً إلى بلاده. وقال في دعواه إنه تعرّض لسوء معاملة على يد حراس سجن "سيكوت" المشدد في السلفادور، ما سلط الضوء على ظروف احتجاز المرحّلين والضغوط التي تمارسها واشنطن على دول صغيرة لقبول استقبالهم.
تزامنت هذه الدعوى مع إعلان حكومة إسواتيني، الدولة الصغيرة في جنوب أفريقيا، عن استقبالها خمسة مهاجرين غير نظاميين ضمن اتفاق مشابه. وهو ما يرفع عدد الدول التي دخلت في ترتيبات ترحيل مع الولايات المتحدة إلى ست دول منذ بدء الولاية الثانية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
صفقات متعددة الأطراف
أحد أبرز هذه التفاهمات كان صفقة ثلاثية جمعت الولايات المتحدة، السلفادور، وفنزويلا. وبموجبها، استُخدمت السلفادور كمحطة ترانزيت لترحيل مهاجرين فنزويليين، مقابل مكاسب متعددة لكل طرف.
فنزويلا أعادت استقبال 252 من مواطنيها المرحّلين، مقابل إفراج واشنطن عن عشرة أميركيين كانوا محتجزين لدى سلطات كراكاس. أما السلفادور، فقد حصلت على دعم مالي بقيمة 6 ملايين دولار لتأمين منشآت الاحتجاز، إضافة إلى تعزيز موقعها السياسي لدى إدارة ترامب.
وكان الرئيس السلفادوري نجيب أبو كيلة قد عرض هذه المبادرة خلال زيارته للبيت الأبيض في أبريل/نيسان، واقترح آنذاك ربطها بعملية تبادل سجناء. ورغم تحفظ فنزويلا على المقايضة العددية، فقد مضت الصفقة قدماً بشكل جزئي.
قوانين استثنائية
تعاملت السلطات الأميركية مع عدد من المرحّلين بوصفهم عناصر مشتبه بانتمائهم إلى تنظيمات إجرامية، وهو ما سمح باستخدام قانون "الأعداء الأجانب" لعام 1798، الذي يتيح للرئيس اتخاذ إجراءات بحق مواطني دول "معادية"، دون الحاجة إلى المرور بالقضاء.
وقد طبقت هذه السياسة على نطاق أوسع في دول أميركا اللاتينية، حيث استقبلت المكسيك قرابة 6 آلاف مهاجر غير مكسيكي، بينما احتجزت كوستاريكا نحو 200 مهاجر مؤقتاً، واستقبلت بنما نحو 300 مهاجر من دول آسيوية في مخيم خاص جنوب البلاد.
أفريقيا.. الوجهة الجديدة
في يوليو/تموز، أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية ترحيل خمسة مهاجرين من دول متنوعة مثل فيتنام، كوبا، واليمن إلى مملكة إسواتيني. وبررت واشنطن الخطوة بأن المرحّلين "مجرمون مدانون" و"أفراد خطرون"، وفق ما قالته تريشيا ماكلولين، مساعدة وزيرة الأمن الداخلي.
الحكومة في إسواتيني لم تكشف عن تفاصيل العملية أو أماكن احتجاز المرحّلين، لكنها أكدت أن إجراءات إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية تُدار بالتنسيق مع وكالة أممية.
التحركات الأميركية شملت أيضاً اتصالات مع دول في غرب أفريقيا. فقد شهد البيت الأبيض اجتماعاً جمع الرئيس ترامب بخمسة من رؤساء دول غرب أفريقيا، حيث طرح ملف الترحيل ضمن إطار التعاون الأمني. ورغم نفي بعض الزعماء وجود مطالب أميركية مباشرة، فإن صيغة الحوار أوحت بوجود ترتيبات قيد النقاش.
انتقادات حقوقية
منظمات حقوقية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، حذّرت من أن عمليات الترحيل إلى دول غير مأمونة تشكل خرقاً لحق الحماية الدولية، خاصة إذا كانت الدول المستقبلة معروفة بسجلها في انتهاكات حقوق الإنسان.
الناشطون أشاروا أيضاً إلى أن المدة الزمنية التي يُمنحها المرحّلون للاستئناف أو التظلم قصيرة جداً، وتصل أحياناً إلى ست ساعات فقط، ما يقيّد حقهم القانوني في الدفاع عن أنفسهم.
وتنص مذكرة تنفيذية حديثة لوكالة الهجرة والجمارك الأميركية على إشعار المرحّلين قبل 6 ساعات فقط من ترحيلهم، بشرط السماح لهم بالتواصل مع محامٍ، وضمانات من الدولة المستقبِلة بعدم تعرضهم للاضطهاد.
وجهات جديدة قيد الدراسة
من الوجهات التالية المحتملة، دولة بالاو، الجزيرة الصغيرة في المحيط الهادئ، التي لا يتجاوز عدد سكانها 18 ألف نسمة. وقد تقدّمت واشنطن بطلب رسمي إليها مؤخراً لاستقبال مهاجرين ضمن ترتيبات قيد التفاوض، وسط توقعات بأن تُقبل الصفقة نظراً لاعتماد بالاو الكبير على المساعدات الأميركية.
كما يجري التفاوض مع رواندا، في صفقة تشمل تمويلاً لبرامج دمج مرحّلين داخل المجتمع المحلي، مع توقعات بزيادة أعداد المستقبَلين في حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي.
في ضوء هذا التوسع، يبقى الجدل قائماً بين من يرى في هذه السياسات أداة مشروعة للسيطرة على الحدود، وبين من يعتبرها تلاعباً بالقانون الدولي وتفريطاً في حقوق المهاجرين، في ظل غياب الشفافية والمساءلة حول مصير المرحّلين وظروف استقبالهم.