تصاعدت المخاوف والشكوك من احتمال دخول لبنان في مرحلة تصعيدية جديدة، عقب تصعيد الموفد الأميركي توم برّاك لهجته تجاه الحكومة اللبنانية، وسط حالة من الغموض بشأن عقد جلسة لمجلس الوزراء تناقش ملف حصرية السلاح بيد الدولة.
في الوقت نفسه، تتحدث مصادر عن استمرار مساعي التوصل إلى اتفاق بين أركان السلطة اللبنانية وبرّاك، لا تزال قائمة وإن بشكل غير نهائي، بهدف الربط بين هذا الاتفاق وورقة برّاك، بحيث تصبح هذه الاتفاقات مقدمة وشرطاً لتطبيق الورقة، في محاولة لضمان إلزامية التنفيذ. ويشير ذلك إلى ما تم التوصل إليه بين برّاك ورئيس مجلس النواب نبيه بري تحديداً، والذي يعكس قدرة لبنان على الالتزام عملياً وليس فقط كلامياً.
في هذا السياق، أشارت افتتاحية صحيفة "النهار" إلى أن كلام برّاك الأخير كان موجهاً للحكومة اللبنانية بسبب عدم تطبيقها القرارات التي التزمت بها في بيانها الوزاري، وأنه يجري التداول بإمكانية إصدار مجلس الوزراء موقفاً أو بياناً حول الموضوع، خاصة وأن القوى السياسية باتت تدرك أن أي سيناريو بديل لاتفاق مع برّاك قد ينذر بتجدد الحرب.
من جهتها، نقلت صحيفة "البناء" أن الاتصالات بين المسؤولين اللبنانيين والمبعوث الأميركي لم تنقطع حتى بعد مغادرته لبنان، لتقديم الردود على استيضاحات الأميركيين ونقل الرد الإسرائيلي على الطرح اللبناني الأخير. وأشارت إلى أن الأجواء الإسرائيلية تجاه الرد اللبناني غير مشجعة، إذ ترى إسرائيل أن موازين القوى تغيرت لصالحها، وأنها لن تنسحب من النقاط الخمس المطروحة دون مقابل يضمن أمنها الاستراتيجي.
وأكدت "البناء" أن الثمن الأهم الذي تطلبه إسرائيل هو إخلاء كامل منطقة جنوب الليطاني من السلاح والمقاتلين ونزع سلاح حزب الله الثقيل، إلى جانب موافقة لبنانية على حرية حركة أمنية وعسكرية في جنوب الليطاني وكامل لبنان لضمان أمنها القومي على الجبهة الشمالية.
في المقابل، نقلت صحيفة "نداء الوطن" عن أوساط سياسية متابعة ملف سلاح حزب الله أن رئيس الجمهورية ميشال عون لا يزال يحتفظ بالملف بين يديه ولا يبدو مستعداً لوضعه على طاولة مجلس الوزراء، رغم نصائح بطرح الملف في المجلس لإيجاد مخرج، خصوصاً بعدما فشل في معالجته بشكل منفرد. وأوضحت الأوساط أن احتمال وصول ملف السلاح إلى جلسة مجلس الوزراء لا يزال موضوع تساؤلات، مع وجود آمال في إحالته إلى المجلس الأعلى للدفاع من أجل التنفيذ.
وأضافت الأوساط أن مواقف حزب الله المتمسكة بسلاحه ما زالت تؤثر بشكل كبير على موقف السلطة، متسائلة: "إلى أي حد سيضغط الجانب الأميركي لإحراز تقدم في ملف السلاح؟" واختتمت بقولها: "فلننتظر ونرى".
أما صحيفة "اللواء"، فقد ركزت على تصاعد الضغط الداخلي تجاه ملف احتكار الدولة للسلاح، واستلام الأسلحة غير الشرعية من منظمات مسلحة بينها حزب الله، الذي ما زال متمسكاً بسلاحه، وإن أبدى بعض المرونة في مناقشة الاستراتيجية الدفاعية الموعودة.
وأوضحت الصحيفة أن هذا الضغط يتزامن مع انتظار مبعوث الولايات المتحدة توم برّاك لإحداث توازن خلال الأشهر الأربعة المقبلة، عبر خطوات من حزب الله تضمنها الحكومة، وخطوات إسرائيلية تتعلق بوقف العمليات العدائية مثل القتل والتحليق بالمسيّرات واحتلال الأراضي والاحتفاظ بالأسرى.
وسط ذلك، يجري الرئيس ميشال عون محادثات في الجزائر مع الرئيس عبد المجيد تبون، تركز على العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة، في حين يبقى ملف السلاح معلقاً بانتظار عودته، وسط توقعات بعقد جلسة لمجلس الوزراء قد تتصدر فيها مسألة حصرية السلاح جدول الأعمال.
وفي تقرير لصحيفة "الديار"، تبيّن أن رئيس الحكومة نواف سلام حمل معه من باريس "رسائل واضحة" إلى مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري ("عين التينة") مفادها أنه لا مساعدات دولية قبل حل ملف السلاح واستكمال الإصلاحات، وحاول من خلال هذه الأجواء الضغط لتسريع التوافق على عقد جلسة حكومية.
وذكرت الصحيفة أن سلام لا يرغب في عقد الجلسة قبل حصول تفاهمات سياسية، لكنه مستعجل لعقدها خوفاً من تصاعد الضغوط الأميركية على الحكومة، التي وجه لها برّاك انتقاداً مباشراً عبر تغريدة قال فيها: "مصداقية الحكومة اللبنانية تستند إلى قدرتها على التوفيق بين المبادئ والتطبيق، وكما قال قادتها مراراً، من الضروري أن تحتكر الدولة وحدها السلاح، وما دام حزب الله لا يزال يحتفظ بالسلاح، فلن تكون الكلمات كافية."
وأضافت الصحيفة أن حزب الله يرى أن الحكومة يجب أن تركز على أولويات أخرى، أبرزها سحب قوات الاحتلال الإسرائيلي وإلزامها باحترام وقف النار، بينما أبلغ بري رئيس الحكومة سلام بضرورة عدم التعجل في معالجة الملف.
وكان بري قد أبلغ برّاك سابقاً أن حزب الله يتعامل بمرونة مطلقة، وأرسل إشارات إيجابية بالتزامه بوقف النار وعدم التدخل في الحرب الإسرائيلية على إيران، مشدداً على أن حزب الله هو جزء من السلطة التنفيذية وله قوة كبيرة في مجلس النواب. ووفقاً لبرّاك، المطلوب الآن خطوات من الجانب الإسرائيلي، مع تعبيره عن تفهم هذه السردية ووعده برد قريب إيجابي، مما كان سبباً في تغريدته التي فاجأت بري.
أما صحيفة "البناء"، فقد أظهرت تصعيداً في مواقف الموفد الأميركي توم برّاك، الذي شكك في مصداقية الدولة اللبنانية بشأن السلاح، وحرض الحكومة اللبنانية على تنفيذ مهمة نزع السلاح حتى بالقوة، وهو ما وصفته مصادر سياسية بأنه دعوة للصدام الداخلي والحرب الأهلية.
وتساءلت المصادر كيف يمكن للمبعوث الأميركي أن يشكك في مصداقية الدولة اللبنانية ويدعوها للصدام مع مكون أساسي في لبنان مثل حزب الله، خصوصاً في ظل استمرار إسرائيل بعدوانها وعدم تنفيذ التزاماتها بموجب القرار 1701 أو تفاهمات وقف النار.
ودعت المصادر إلى ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها وعودة الأسرى، ثم البدء في حوار داخلي لبناني وطني لوضع استراتيجية أمنية ودفاعية تشمل تسليح الجيش اللبناني وتمكينه من حماية لبنان.
في هذا الإطار، أكد وزير الصناعة اللبناني جو عيسى الخوري عزم وزراء "القوات اللبنانية" طرح ملف احتكار الدولة للسلاح في الجلسة الحكومية المقبلة، مشيراً إلى تواصلهم مع وزراء آخرين أبدوا تجاوباً.
وأوضح في مقابلة تلفزيونية أن الموفد الأميركي قدم آلية زمنية تمتد لـ 120 يوماً، تطلب خلالها من إسرائيل وحزب الله تنفيذ خطوات محددة، على أن تضمن الولايات المتحدة التزام الجانب الإسرائيلي، فيما تتولى الحكومة اللبنانية متابعة الجانب اللبناني من خلال الجيش.
وختم الخوري مؤكداً أن الاستقالة غير مطروحة، وأن اتخاذ قرار في ملف السلاح لا يحتاج إلى إجماع كامل، بل تكفي أغلبية وازنة تدعو المجلس الأعلى للدفاع لوضع خطة زمنية واضحة لتسليم السلاح غير الشرعي.
المصادر:
جريدة النهار
جريدة البناء
جريدة نداء الوطن
جريدة اللواء
جريدة الديار