تعديلات انتخابية سورية تُمهّد لبرلمان جديد

رزان الحاج

2025.07.29 - 09:17
Facebook Share
طباعة

 تسلم الرئيس السوري أحمد الشرع النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، في خطوة تأتي ضمن سياق التحضير لأول انتخابات تشريعية في البلاد منذ بدء المرحلة الانتقالية. جاء ذلك خلال لقاء جمعه مع رئيس اللجنة العليا للانتخابات، محمد طه الأحمد، الذي رجّح إجراء الانتخابات بين 15 و20 سبتمبر/أيلول المقبل.


تتضمن هذه التعديلات تغييرات جوهرية في النظام الانتخابي، جاءت ثمرة جولات موسعة أجرتها اللجنة الانتخابية في معظم المحافظات، ولقاءات مع مختلف شرائح المجتمع، من نقابات ومؤسسات مدنية، وصولاً إلى التواصل مع بعثات دبلوماسية عربية ودولية.


النظام الانتخابي الجديد يعتمد مجموعة من الضمانات التي تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة، حيث تم الإعلان عن تشكيل لجان فرعية للإشراف المحلي، إلى جانب فتح المجال للطعن والاعتراض على النتائج، وإتاحة مراقبة الانتخابات من قبل المجتمع المحلي والمنظمات الدولية، بما يُسهم في تعزيز الثقة بالعملية الانتخابية.


ومن أبرز ما ورد في النظام، رفع عدد مقاعد مجلس الشعب من 150 إلى 210 مقاعد، استناداً إلى إحصاء عام 2011. وسيُخصص ما لا يقل عن 20% من المقاعد للنساء، مع حوافز إضافية لتشجيع مشاركة الشباب، بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني التي ستشارك بدورات تدريب وتوعية للمرشحين والناخبين على حد سواء.


وتم أيضاً إدراج ورقة سلوك تنظيمي تضبط أداء أعضاء الهيئات الانتخابية والمرشحين، إضافة إلى تحديد برنامج زمني للترشح، الدعاية، وعقد المناظرات، ضمن خطة مدروسة تهدف إلى ترسيخ ممارسة انتخابية ناضجة.


على الصعيد التنظيمي، نص النظام على تخصيص الثلث المعين من الأعضاء (70 عضواً) لاختصاصيين وكفاءات فنية (تكنوقراط)، ما يتيح سد الثغرات التمثيلية الناتجة عن ظروف اللجوء والنزوح، ويعزز الحضور المهني في البرلمان.


هذا التعديل، وفق اللجنة، يهدف إلى تحقيق تمثيل حقيقي للفئات التي قد يُستبعد بعضها بفعل ظروف جغرافية أو قانونية، خاصة مع وجود ملايين السوريين في المخيمات أو في دول الجوار ممن لا يحملون وثائق شخصية موحدة، نتيجة تعدد أنواع البطاقات الشخصية في البلاد بين مناطق النفوذ المختلفة.


يبدأ مسار العملية الانتخابية بعد توقيع المرسوم الخاص بالنظام الانتخابي، ويُوزع زمنياً كما يلي: أسبوع لاختيار اللجان الفرعية، يليه 15 يوماً لتشكيل الهيئات الناخبة، ثم 3 أيام للتسجيل والترشح، وأسبوع مخصص للدعاية والمناظرات.


هذا التغيير في البنية الانتخابية، ورغم إشادته من جهات عديدة، أثار نقاشاً داخلياً أيضاً. فبينما يرى بعض المحللين أنه يفتح الباب أمام مشاركة أوسع ويضفي مصداقية على المرحلة الانتقالية، يرى آخرون أن تعيين ثلث أعضاء البرلمان من قبل الرئيس قد يُخلّ بتوازن السلطات، ويُبقي على نفوذ تنفيذي واسع داخل المؤسسة التشريعية.


ومع أن الرقابة الدولية والمحلية على الانتخابات تُعد خطوة غير مسبوقة على مستوى المنطقة، يرى بعض الباحثين أن التحدي الأهم يكمن في ضمان مشاركة فعلية من المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، مثل بعض مناطق الشمال الشرقي أو محافظة السويداء، بالإضافة إلى إشراك اللاجئين السوريين في الخارج الذين يمثلون نسبة كبيرة من المجتمع السوري.


التعديلات الانتخابية التي قُدمت اعتُبرت خطوة أولى نحو بناء مؤسسات تشريعية جديدة، غير أنها أثارت أيضاً عدداً من التساؤلات. من أبرزها ما يتعلق بشرط استبعاد من "أيد المجرمين أو دعا إلى الطائفية"، وهو توصيف اعتُبر من قبل البعض فضفاضاً، ويخشى أن يُستخدم لاستبعاد خصوم سياسيين على أسس غير واضحة، بدلاً من الاقتصار على مبدأ المحاسبة لمن تورط في الجرائم بحق السوريين.


في المقابل، رحبت شرائح واسعة من المجتمع المدني بإدراج النساء والشباب ضمن التعديلات، معتبرة ذلك مؤشراً على نية إدماج شرائح كانت مهمشة سابقاً في المشهد السياسي.


ويتوقع أن يكون لهذه الانتخابات دور حاسم في إرساء بنية سياسية جديدة في سوريا، خصوصاً وأنها تُعد الخطوة الأولى في خارطة طريق تقود نحو إعادة بناء الشرعية الدستورية، وتوفير إطار تمثيلي جديد يشمل مختلف مكونات المجتمع.


وفي حين تبقى تفاصيل كثيرة معلقة على طريقة تنفيذ العملية، مثل آليات الترشح في المناطق المتضررة، وضمان نزاهة العملية الانتخابية في ظل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة، فإن التعديلات المقترحة تعكس توجهاً نحو تجديد النظام السياسي على أسس أكثر شمولاً، إذا ما تم تنفيذها بشفافية ومهنية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5