زياد الرحباني... الغياب الأخير لصوت الرفض

وكالة أنباء آسيا _رباب الامين

2025.07.28 - 05:22
Facebook Share
طباعة

في زمنٍ تقليدي اللهجة والنغمة، خرج زياد الرحباني من قلب المدرسة الرحبانية ليقدم مشروعاً فنياً خاصاً، ينبض بحس نقدي صادق، ويُعبر عن نبض الناس وهمومهم اليومية بلغة موسيقية ومسرحية فريدة. فنان لا يشبه أحداً ، جمع بين الكلمة واللحن والموقف.

كما يُعد الرحباني واحداً من أبرز المجددين في الموسيقى والمسرح اللبناني، وقد شكل مدرسة قائمة بذاتها، استثمرت الإرث الرحباني وأضافت إليه كثيراً من الجرأة النقدية، والسخرية السياسية والاجتماعية المغلفة بالفكاهة والعمق الإنساني.

ولد في بيروت، وهو الابن البكر للموسيقار عاصي الرحباني والمطربة نهاد حداد، المعروفة باسم فيروز، اثنين من أبرز أعمدة الموسيقى العربية الحديثة لم يكتفِ الراحل بظل العائلة، بل عمل على بناء خط مستقل منذ سنواته الأولى.

البدايات الأدبية:

في سنوات مراهقته، كتب نصوصاً شعرية بعنوان "صديقي الله"، أظهرت حساً أدبياً مبكراً، قبل أن يتحول لاحقاً إلى الموسيقى.
منذ أن لحن أولى أغنياته، بدأت تتضح ملامح مشروعه الفني.

تحول في المسار الفني والعائلي:

المنعطف الأبرز في حياته الفنية جاء في لحظة شخصية حساسة، حين لحن أغنية "سألوني الناس" لوالدته فيروز خلال مرض والده، تلك التجربة لم تكن مجرد مناسبة عائلية، بل بداية علاقة مهنية طويلة بينه وبين فيروز، قدم خلالها ألواناً جديدة لواحدة من أعذب الأصوات العربية.

في تلك المرحلة، شارك في التمثيل أيضاً، ولعب دور الشرطي في مسرحيتي "المحطة" و"ميس الريم"، حيث لحن المقدمة بأسلوب موسيقي مختلف عما كان مألوفاً في أعمال الرحابنة.

صوت الحرب والناس:

مع اشتداد الحرب الأهلية اللبنانية، بدل زياد وجهته من المسرح الغنائي التقليدي إلى المسرح السياسي الواقعي، حيث كتب أولى مسرحياته "سهرية"، التي حافظت على الشكل الفني المعروف، لكنها كانت أكثر مباشرة وانتقاداً منذ تلك اللحظة، صار المسرح عنده وسيلة مقاومة، ونافذة للناس العاديين.

اختار أن ينقل الوجع الجماعي بصيغة تهكمية، خفيفة المظهر، ثقيلة المعنى، لغته اليومية المحكية، وأسلوبه البسيط، منحهه جماهيرية واسعة تخطت جمهور النخبة.

السياسة حاضرة في فنه وشخصه:

زياد لم يفصل بين فنه ومواقفه منذ بداياته، أعلن انحيازه للناس، وللفقراء تحديداً ارتبط بالحزب الشيوعي اللبناني، وصرح في أكثر من مناسبة بأنه "شيوعي الهوى"، واعتبر مجزرة تل الزعتر لحظة تحول جعلته يختار بيروت الغربية كمكان للعيش والتفاعل.

أنتج أعمالاً إذاعية وبرامج نقدية، أبرزها "العقل زينة"، وجه فيها انتقادات مباشرة للسلطة، ولتحالفات المال والدين، التي رأى فيها عوائق أمام التغيير، كما أعلن دعمه للمقاومة اللبنانية، ورفض ما وصفه بنظام "الأبارتايد الإسرائيلي"، ما جعله حاضراً أيضاً في وجدان كثيرين من خارج لبنان.

إثارة الجدل... سمة مستمرة:

زياد الرحباني شخصية خلافية، تثير الجدل في كل ظهور فقد تبنى مواقف جريئة حتى داخل بيئته، وناقض كثيراً من التقاليد التي تربى فيها، نشأ في أسرة مسيحية محافظة، لكنه عبر عن أفكار صادمة للبعض، وارتبط اسمه بالإلحاد في الوعي الشعبي، دون أن يعلن موقفاً دينياً محدداً، بل ظل أقرب إلى نقد المؤسسة الدينية كسلطة.

هذا التمرد، لم يكن مجرد شعار، بل جزء من نسيج حياته اليومية، انعكس في خياراته، وكتاباته، وموسيقاه.

الأثر المستمر رغم الغياب:

على الرغم من فترات غيابه، ظلت أعماله حاضرة في الوجدان، نصوصه المسرحية تُردد، وأغانيه تُغنى، وكلماته تُتداول كأنها كُتبت للآن.
عبر لغة تجمع الفكاهة بالحزن، والسخرية بالغضب، استطاع أن يؤسس لغة جديدة في المسرح الغنائي العربي.

لا تزال أعماله تُعرض في المناسبات والجامعات والمقاهي، كأنها جزء من ذاكرة حية لا تموت.

الرحيل الصامت لصوتٍ كان يصرخ:

في لحظة فاجأت محبيه، غاب زياد الرحباني عن الساحة في 26يوليو ، تاركاً خلفه فراغاً كبيراً وصدى يصعب إسكاته، وفاته محطة مؤلمة للوسط الفني ولمن اعتادوا صوته المختلف، ونبرته الساخرة، وكلماته الجريئة، فنان قاوم التكرار، وواجه السلطة، وانتصر للناس البسطاء، رحل بصمت لكنه ترك إرثاً صاخباً بالحياة، ومواقف باقية في الذاكرة اللبنانية والعربية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 9