تسببت مبادرة "المئوية السورية" بجدل واسع في الأوساط السياسية والثقافية داخل سوريا وخارجها، بين من يراها وثيقة وطنية تعكس حاجة السوريين لمراجعة المسار السياسي، ومن يتهمها بأنها تمهيد لما يشبه "لجنة إنقاذ" خارج مؤسسات الدولة، وتفتح الباب أمام تدخل خارجي، خاصة في ظل الإشارة إلى محافظة السويداء ضمن بنودها.
المبادرة التي أطلقها مثقفون وحقوقيون وناشطون سوريون، دعت إلى تشكيل لجنة وطنية للتحقيق بالأحداث الأخيرة في السويداء، وربطت بينها وبين أزمات سابقة شهدها الساحل السوري وملف الطائفية، محملة الإدارة السياسية والأمنية في دمشق مسؤولية "إدامة الأزمة وتعميق الانقسام".
ورغم تأكيد مطلقي المبادرة أنها وثيقة وطنية لا علاقة لها بأي أجندات خارجية، فإن ردود الأفعال حولها تباينت بشكل حاد، ووصل بعضها إلى حد الاتهام بالخيانة والدعوة للوصاية الدولية على سوريا.
اتهامات بـ"الانقلاب" وتدويل الأزمة السورية
عدد من المناهضين للنظام وكذلك بعض الموالين له، اعتبروا المبادرة محاولة مموّهة لتكرار نموذج "لجنة الإنقاذ" في مصر عام 2013، التي سبقت إسقاط حكومة محمد مرسي، مشيرين إلى أن المبادرة السورية تستخدم لغة إصلاحية لكنها تحمل في طياتها دعوة ضمنية لتقويض المؤسسات الرسمية وخلق بدائل خارج الدولة.
وانتقد هؤلاء تضمين المبادرة مطالبات بتشكيل لجنة تحقيق في أحداث السويداء تضم "ممثلين دوليين"، معتبرين أن هذه الدعوة تشكّل خرقًا للسيادة الوطنية وتفتح الأبواب أمام تدويل القضية السورية مجددًا.
ووصلت بعض الانتقادات إلى حد وصف المبادرين بأنهم "فلول" يسعون لتقسيم البلاد، في حين وصف آخرون المبادرة بأنها "مشروع ناعم لتسليم القرار الوطني لقوى خارجية".
المبادرة: السلطة مسؤولة عن الانهيار
في المقابل، شدد بيان المبادرة على استقلاليتها التامة عن أي جهة أو كيان سياسي، مؤكدة أن لا علاقة لها لا من قريب ولا بعيد بما يُعرف بـ"جبهة الإنقاذ"، مشيرة إلى أن هذه التهم لا تستند إلى وقائع بل إلى تأويلات وتخوين متعمد.
وحمّلت المبادرة السلطة السورية المسؤولية المباشرة عن تأزيم الوضع من خلال اعتمادها الحلول الأمنية وتفردها بالقرار السياسي، وخلقها شروخًا طائفية عبر إدخال العشائر في الصراعات المسلحة.
وأضاف البيان أن سوريا "تمر بأخطر لحظة منذ سقوط النظام البائد"، في إشارة إلى تعاظم الانقسامات والتوترات الاجتماعية، مؤكدة أن طريق الحل يبدأ بـ"مراجعة وطنية شاملة ومسؤولة لما آلت إليه البلاد".
منسحبون تحت ضغط التشهير
رغم حصول المبادرة على توقيع أكثر من 2500 شخصية سورية، إلا أن 11 شخصًا أعلنوا انسحابهم تحت ضغط الحملة، بحسب الصحفي إياد شربجي، أحد أبرز الموقعين، الذي أكد أن الانسحابات لم تكن نتيجة الاعتراض على مضمون المبادرة بل بفعل ما وصفه بـ"حملات تشهير وتخوين" تعرض لها الموقّعون.
من أبرز المنسحبين كان فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الذي أوضح أنه وقّع على البيان بناء على مضمونه الوطني، لكنه سحب توقيعه تجنبًا للزج بالمبادرة في صراعات سياسية لا يريد الانخراط بها.
كما انسحبت الإعلامية صبا مدور، التي أكدت دعمها لفكرة مراجعة وطنية تحت سقف الدولة، لكنها رأت في الهجمة ضد الموقعين مؤشراً على "أزمة وعي واستقطاب لا تخدم أي مستقبل وطني مشترك".
وأكد المنسحبون أن الأزمة الحقيقية لا تتعلق بمحتوى النص نفسه، بل بـ"ردود الفعل المتشنجة" والتخوين الذي طال حتى شخصيات ذات تاريخ ثوري مشهود.