شهد ريف القنيطرة الجنوبي، صباح الجمعة 25 تموز، توغلًا عسكريًا جديدًا نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة مزارع أبو مذرا، في تصعيد جديد يضاف إلى سلسلة انتهاكات متكررة تمارسها إسرائيل على الأراضي السورية.
وأفادت مصادر محلية أن وحدة عسكرية إسرائيلية اقتحمت المنطقة واستمرت في عمليات التفتيش لمدة ساعة ونصف، دون أن تُسجل حالات اعتقال، لكنها قامت بتفتيش منازل المزارعين وتسجيل بيانات عدد منهم، في خطوة تهدف إلى الترهيب وفرض مراقبة دائمة على السكان المدنيين.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ أشار ناشط ميداني من القنيطرة إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوغل بشكل شبه يومي في قرى المحافظة، وتنفذ مداهمات واعتقالات بحق عشرات الشبان، وسط غياب تام لأي رد فعل دولي أو موقف حازم من الجهات الأممية.
مزاعم إسرائيلية وتضليل إعلامي
في وقت متزامن، نفت محافظة ريف دمشق صحة الشائعات التي راجت على مواقع التواصل الاجتماعي حول وجود حواجز إسرائيلية ودبابة في مدينة قطنا جنوب دمشق. وأكد المكتب الإعلامي الرسمي أن المدينة تقع تحت سيطرة الدولة السورية الكاملة، وتخضع لإجراءات رقابية صارمة من الجيش والأجهزة الأمنية.
وكانت بعض الصفحات قد تداولت أنباء عن دخول قوة إسرائيلية إلى مدينة قطنا، وهو ما أثار حالة من الجدل، قبل أن يتم نفيه رسميًا.
اعتقالات وترويج دعائي إسرائيلي
وفي تصعيد آخر، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عن قيام الفرقة العسكرية الإسرائيلية "210" بالتعاون مع الوحدة الاستخباراتية "504"، باعتقال سوريين قال إنهم متورطون في تجارة الأسلحة داخل الجنوب السوري.
وزعم أدرعي أن الاعتقالات تمت بعد نشاط استخباراتي مكثف، دون الكشف عن عدد المعتقلين أو تفاصيل المواقع التي تمت فيها العمليات. وادّعى أن القوات صادرت "وسائل قتالية متنوعة" خلال العملية، ونشر صورًا وفيديوهات تظهر أسلحة وذخائر وملابس عسكرية، إلى جانب علم سوريا ما قبل 2000.
هذه الإعلانات المتكررة من إسرائيل، والتي ترافقها حملات دعائية على منصات التواصل، تبدو جزءًا من سياسة دعائية تستغل الأحداث الأمنية لتبرير الانتهاكات المتواصلة على الأرض السورية، وتضليل الرأي العام بشأن طبيعة التوغلات العسكرية التي تخرق السيادة السورية.
تحليل: احتلال ناعم أم استفزاز منظم؟
التحركات العسكرية الإسرائيلية في القنيطرة تكشف عن نمط واضح من "الاحتلال الناعم"، الذي يمارس رقابة ميدانية وتدخلات شبه يومية، بهدف فرض معادلة جديدة على الحدود الجنوبية لسوريا.
ما تقوم به إسرائيل لا يمكن فصله عن سعيها لتكريس نفوذ أمني في المنطقة، خاصة في ظل انشغال الفاعلين الدوليين بالتوازنات الكبرى، وركود الملف السوري سياسيًا. ومع غياب المحاسبة، تتحول هذه التوغلات إلى واقع يومي، يُنذر بانهيار أي فرصة لاستقرار حقيقي.
اللافت هو صمت المجتمع الدولي، الذي يتعامل بانتقائية صارخة مع انتهاكات الاحتلال، في حين أن مداهمة منازل المدنيين وتسجيل بياناتهم تحت تهديد السلاح تصنف وفق القانون الدولي كأعمال عدوانية تمس السيادة الوطنية.
إسرائيل، التي تدّعي الحفاظ على أمنها، لا تتورع عن استغلال الأوضاع الهشة في سوريا لتوسيع نفوذها وإرسال رسائل ردعية ليس فقط للنظام، بل أيضًا لسكان الجنوب، ضمن سياسة تقويض أي استقرار ناشئ في المنطقة.
المرحلة القادمة مرشحة لمزيد من التصعيد ما لم يتم ضبط هذه الانتهاكات أو مواجهتها دبلوماسيًا على الأقل، خاصة أن ما يجري في القنيطرة قد يتحول إلى نقطة اشتعال جديدة على الحدود السورية–الإسرائيلية، يدفع ثمنها المدنيون كما جرت العادة.