باريس تستضيف اجتماعاً رفيع المستوى بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية بمشاركة أميركية وفرنسية، في محاولة جديدة لتفعيل اتفاق سياسي وعسكري شامل، يستهدف دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومؤسسات الإدارة الذاتية ضمن مؤسسات الدولة السورية.
تحتضن العاصمة الفرنسية باريس، يوم الجمعة المقبل، لقاءً هو الثالث من نوعه خلال شهر تموز، يجمع وفداً من الحكومة السورية بقيادة وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووفداً من "الإدارة الذاتية" يضم كلاً من القائد العام لقوات "قسد"، مظلوم عبدي، ورئيسة هيئة العلاقات الخارجية، إلهام أحمد، وعضوة الهيئة التنفيذية في "مسد" ورئيسة وفد التفاوض، فوزة يوسف.
ويحضر اللقاء المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، إلى جانب وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، في خطوة دبلوماسية وصفتها مصادر مطلعة بأنها محاولة "جادة" لدفع تنفيذ اتفاق 10 آذار، الذي تم توقيعه بين الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي، ويهدف إلى تنظيم العلاقة بين الدولة السورية ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق البلاد.
باريس والوساطة الفعالة
تلعب فرنسا، بحسب مصادر كردية مطلعة، دور الوسيط الفعّال في هذه المرحلة من الحوار، مستفيدة من علاقاتها القوية بمكونات الإدارة الذاتية ودعمها السابق لقوات "قسد" في معاركها ضد تنظيم "داعش". وقد ساهمت باريس في رعاية لقاءات تحضيرية وجمع أطراف متباعدة، للوصول إلى تفاهمات أكثر واقعية وتقدماً.
الاجتماع في باريس يُنتظر أن يُعلن عن "خطوات متقدمة" في تطبيق اتفاق آذار، تتضمن ترتيبات عسكرية وإدارية جديدة، في إطار رؤية وطنية شاملة تهدف إلى إنهاء الانقسام، وتعزيز استقرار شمال شرق سوريا، وتحقيق عودة تدريجية لمؤسسات الدولة السورية إلى تلك المناطق، مع الحفاظ على خصوصية بعض التكوينات.
من عمّان إلى باريس: تسلسل تفاوضي تصاعدي
الاجتماع الحالي يأتي بعد لقاءين سابقين، الأول جرى في دمشق يوم 9 تموز، وشهد حضور وزراء الخارجية والدفاع والداخلية ورئيس جهاز المخابرات العامة من الجانب السوري، ومشاركة قيادات بارزة من الإدارة الذاتية. اللقاء الثاني جرى في عمّان، وجمع المبعوث الأميركي ووزير الخارجية السوري ومظلوم عبدي، وسط أجواء وصفتها المصادر بـ"الإيجابية"، وأكدت أنه أسهم في تصحيح مسار التفاوض بعد تعثر الجولة الأولى.
وقد تم التوافق خلال لقاء عمّان على عدة بنود، أبرزها:
- عقد اجتماع عسكري مشترك بين وزارة الدفاع السورية وقيادة "قسد".
- إعادة تفعيل المؤسسات الحكومية في مناطق الإدارة الذاتية.
- الإشراف المشترك على إدارة المعابر الحدودية.
- منح الأولوية لعودة المهجّرين إلى مناطقهم، وخاصة من عفرين، رأس العين، وتل أبيض.
دمج "قسد" ضمن مؤسسة الدفاع السورية
وفقاً للمصادر، فإن التفاهم الحالي يشمل اتفاقاً مبدئياً على دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن وزارة الدفاع السورية، عبر تشكيل فيلق عسكري خاص يحتفظ بخصوصية قوات "قسد"، وتنتشر وحداته في مناطق الرقة ودير الزور والحسكة، دون تغيير في مواقع انتشارها الحالية.
كما يشير التفاهم إلى أن هذه القوات ستندرج رسمياً ضمن المؤسسة العسكرية، على أن تُحترم خصوصيتها التنظيمية في مرحلة انتقالية، إلى حين الوصول إلى توافقات دستورية وقانونية شاملة.
مستقبل مظلوم عبدي: تحت الدراسة
وفيما يخص مستقبل القائد العام لـ"قسد"، مظلوم عبدي، أوضحت المصادر أن طرح اسمه لشغل منصب رسمي داخل وزارة الدفاع أو أي مؤسسة حكومية لا يزال مبكراً، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب توافقاً قانونياً ودستورياً شاملاً، يضمن ضم مؤسسات وموظفي الإدارة الذاتية إلى الدولة السورية، والاعتراف بالشهادات والمراكز الوظيفية القائمة حالياً.
رؤية نحو توحيد الدولة
يعكس هذا المسار التفاوضي المستمر وجود رغبة سورية واضحة في التوصل إلى حلول متقدمة تعزز وحدة الأراضي السورية، مع الاعتراف بخصوصية بعض المناطق في إطار السيادة الوطنية. وتُظهر التحركات الدبلوماسية المتسارعة أن الدولة السورية منفتحة على خيارات الدمج المؤسسي الشامل، شريطة أن يتم ذلك ضمن إطار وطني خاضع للدستور والقانون.
حضور دولي لافت
الاجتماع المرتقب في باريس سيحضره إلى جانب الوفدين السوري والكردي، كل من المبعوثين الأميركي والفرنسي، بينما سيتابع وفد حكومي تركي بارز مجريات الاجتماع من غرفة جانبية دون مشاركة مباشرة، ما يُظهر حرص جميع الأطراف الإقليمية والدولية على مراقبة مخرجات هذا المسار.
توقعات ما بعد باريس
يُتوقع أن يُفضي اجتماع باريس إلى الإعلان عن جدول زمني واضح لتنفيذ خطوات محددة من اتفاق 10 آذار، تشمل الترتيبات الأمنية، وانتقال الإدارة المشتركة في بعض المناطق، وربما الإعلان عن لجان فنية تعمل على صياغة مسودات قانونية لتسوية الملفات العالقة.
كما يُرتقب أن يتم تحديد مواعيد لاجتماعات عسكرية مباشرة بين قيادات "قسد" ووزارة الدفاع السورية، وأخرى تتعلق بالهيكل الإداري للخدمات والمؤسسات المحلية في المناطق التي تديرها "الإدارة الذاتية".