في مواجهة أحد أكثر المشاهد تعقيداً في الجنوب السوري، أكدت الحكومة السورية التزامها الكامل بفرض القانون ومحاسبة كل من ثبت تورطه في أحداث العنف والانتهاكات التي شهدتها محافظة السويداء خلال الأيام الماضية، مؤكدة أن مسار العدالة هو الضامن الوحيد للاستقرار الوطني.
وزير العدل السوري، مظهر الويس، شدد على أن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، متوعداً بمحاسبة جميع من وصفهم بـ"الخارجين عن القانون"، ومؤكداً أن الدولة ستلاحق كل من ارتكب جرائم بحق المواطنين خلال الأحداث الأخيرة، وفق القوانين النافذة وبتعاون وثيق مع الجهات المختصة.
وفي منشور رسمي على منصة "إكس"، أشار الوزير إلى أن الأحداث الأخيرة كانت نتيجة محاولات مستمرة من قبل أطراف ذات مصالح ضيقة، حاولت استغلال التحديات التي تواجهها البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. وأشاد بالجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة بقيادة الرئيس أحمد الشرع في وأد الفتنة ومنع تدهور الأوضاع، مؤكداً أن البلاد كانت على شفا تصعيد كارثي لولا التدخل الحازم والعاجل.
خطوات ميدانية لضبط الأمن
أكد الويس أن الدولة تعاملت مع الوضع بسرعة وحزم، حيث تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في محافظة السويداء، وتأمين خروج المحتجزين الأبرياء، وبدء إدخال المساعدات الإنسانية، تمهيداً لإعادة مؤسسات الدولة وبسط الأمن والاستقرار في مختلف المناطق.
كما أشار إلى أن دعوة الرئاسة السورية للجنة تقصي الحقائق إلى إعلان نتائج عملها بشفافية، والرد على استفسارات الرأي العام، يأتي تأكيداً على جدّية الدولة في تعزيز المساءلة والوضوح.
إجراءات صارمة من الدفاع والداخلية
أعلنت وزارتا الدفاع والداخلية عن فتح تحقيقات عاجلة في الانتهاكات التي وقعت خلال العمليات العسكرية في السويداء. وزارة الدفاع أوضحت أنها شكلت لجنة مختصة لمتابعة التجاوزات وتحديد هوية الأفراد المتورطين، بعد التأكد من أنهم لا ينتمون إلى تشكيلات رسمية تابعة للوزارة.
وأكدت الوزارة أن وزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، يتابع التحقيقات بشكل مباشر، وأن أقصى العقوبات ستُفرض بحق كل من يثبت تورطه، في إطار الالتزام الصارم بالتعليمات العسكرية وقواعد الاشتباك.
أما وزارة الداخلية، فأدانت المقاطع المصورة التي أظهرت عمليات إعدام ميداني، معتبرة أن مرتكبي هذه الأفعال سيواجهون العدالة دون استثناء. وأوضحت أن تحقيقات مكثفة بدأت فوراً لتحديد المتورطين وتقديمهم للمحاسبة.
استجابة إنسانية متواصلة ومراقبة ميدانية
بالتزامن مع الإجراءات الأمنية والقضائية، عملت الجهات الرسمية بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري والأمم المتحدة على إجلاء المدنيين المحاصرين وتأمين المساعدات الإنسانية. وقد خرجت ثلاث دفعات رئيسية من المدنيين من السويداء باتجاه محافظة درعا، معظمهم من أبناء العشائر والديانة المسيحية، وسط إجراءات حماية مشددة لضمان سلامتهم.
وأكدت الجهات المختصة أن هذه الإجراءات تندرج ضمن خطوات مؤقتة لضمان سلامة المدنيين، إلى حين استعادة الاستقرار الكامل، وهي لا تمس بحقوق السكان ولا تحمل أي طابع قسري دائم، بل تُنظم وفق القانون الدولي الإنساني وبمراعاة أوضاعهم الاجتماعية والإنسانية.
منظمات دولية تتابع المشهد
رصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها تدهوراً في الوضع الإنساني نتيجة القتال المسلح والتدخلات الخارجية، محذرة من أزمة إنسانية شملت انقطاعاً في الماء والكهرباء والرعاية الطبية، ودعت إلى تسهيل مرور قوافل الإغاثة وحماية المدنيين.
كما طالبت بالسماح بدخول فرق المراقبة لتوثيق الانتهاكات وضمان استقلال العمل الإنساني، مشيرة إلى أن قيود السفر المفروضة على الوكالات الإنسانية والصحفيين قد تؤثر على استجابة الطوارئ. ورغم ذلك، أكدت أن الهدوء النسبي الذي عاد إلى المنطقة منذ 21 تموز، يمثل بداية إيجابية يمكن البناء عليها.
الموقف الدولي: دعم للاستقرار والمساءلة
من جانبها، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة تتابع التطورات عن كثب، وتدعو إلى قيادة سورية جادّة في المرحلة المقبلة، تضمن محاسبة جميع المتورطين في الجرائم والانتهاكات.
وفي تصريحات رسمية، أبدت المتحدثة باسم الخارجية، تامي بروس، تفاؤل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بإعلان الحكومة السورية رفضها دخول القوات المسلحة إلى السويداء، ما يعكس رغبتها في حفظ الاستقرار. كما أُشير إلى أن واشنطن ستراقب عن كثب تنفيذ التعهدات بمحاسبة المتورطين دون تمييز.
حصيلة الضحايا وتحقيق العدالة
بحسب تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد بلغ عدد الضحايا خلال الفترة الممتدة من 13 إلى 24 تموز، ما لا يقل عن 814 شخصاً، بينهم نساء وأطفال وأفراد من الكوادر الطبية والإعلامية، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 900 آخرين.
وأكدت الشبكة أنها توثق جميع الانتهاكات وفق معايير القانون الدولي، وتميّز بين القتلى المدنيين والمقاتلين، كما شددت على أن أي حالة وفاة بعد الاعتقال تُصنّف كجريمة قتل خارج نطاق القانون، ويجري متابعتها بالتنسيق مع الهيئات القضائية المحلية والدولية.
خاتمة: الدولة ماضية في بسط سيادة القانون
رغم تعقيد المشهد في السويداء، إلا أن الموقف الرسمي السوري بدا واضحاً وحازماً، بأن لا استقرار دون عدالة، ولا مصالحة دون محاسبة. ومع بدء التحقيقات الأمنية والعدلية، وتكثيف عمليات الإغاثة، تواصل الحكومة العمل على إعادة الأمن إلى ربوع المحافظة، بالتوازي مع ترسيخ الثقة بين الدولة والمواطنين.
وتبقى المرحلة المقبلة مفصلية، ليس فقط في تطويق تداعيات ما حدث، بل في تأكيد الالتزام السوري بإعلاء دولة المؤسسات وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.