واشنطن وسوريا: توازنات دقيقة ومصالح متشابكة

سامر الخطيب

2025.07.23 - 10:56
Facebook Share
طباعة

 في ظل تصاعد الأحداث في الجنوب السوري، وخاصة ما شهدته مدينة السويداء من توترات ودماء، يتبلور موقف أميركي جديد تجاه سوريا، يعكس تحوّلاً ملحوظاً عن سياسة العزلة السابقة نحو الانخراط الحذر والمشروط. هذا التحوّل، الذي عبّر عنه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم براك، يتّسم بمزيج من البراغماتية والانقسام الداخلي في واشنطن، ويثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والحكومة السورية الجديدة.


الاعتراف بالواقع: لا "خطة ب" لسوريا
في تصريح صريح، أعلن براك أن التعامل مع الحكومة السورية الراهنة هو السبيل الوحيد المتاح لتوحيد البلاد واحتواء موجة العنف الطائفي، مؤكدًا أن واشنطن لا تملك خطة بديلة في الملف السوري. هذا التصريح أشار إلى تبدل في الرؤية الأميركية الرسمية، من استراتيجية العزل والضغط إلى مقاربة واقعية تحاول احتواء الانهيار السوري، وتحقيق نوع من الاستقرار الداخلي ولو عبر التنسيق مع دمشق.


معضلة الحلفاء: إسرائيل وقسد
لكن هذا الموقف الأميركي لا يمكن قراءته بمعزل عن توازنات معقدة في شبكة حلفاء واشنطن بالمنطقة. فمن جهة، العلاقة المتوترة مع إسرائيل، التي ترفض حكومة نتنياهو الانخراط في أي مسار يسهم في استقرار سوريا، وتواصل شنّ غارات على أراضيها. ومن جهة أخرى، لا تزال واشنطن تحتفظ بشراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية في الشمال الشرقي، والتي لم تُدمج حتى الآن ضمن مشروع الدولة السورية الموحدة.


هذا التناقض يضع إدارة الرئيس دونالد ترامب في مأزق بين الاعتراف بالحكومة السورية كفاعل شرعي، وبين استمرار دعم أطراف خارجة عن سلطتها.


السويداء.. اختبار للسياسة الجديدة
شهدت مدينة السويداء خلال شهر يوليو/تموز تصعيداً خطيراً بعد انسحاب القوات الحكومية ودخول مجموعات عشائرية، تبعه موجة من الانتهاكات، ما دفع المبعوث الأميركي للتحرك دبلوماسياً بالتنسيق مع الأطراف الإقليمية.


براك أجرى لقاءات شملت الحكومة السورية وشيوخ العشائر، وشارك فيها الجانب الأردني وتواصل خلالها مع تركيا وإسرائيل. وقد أسفرت المحادثات عن اتفاق وقف إطلاق نار ونشر قوات أمن سورية وإطلاق سراح معتقلين، في خطوة بدت كاختبار عملي لقدرة واشنطن على التأثير في الملف السوري عبر قنواتها المتعددة.


ورغم إدانته للانتهاكات ضد المدنيين، أشار براك إلى التزام الحكومة السورية بما وصفه بـ"نهج مسؤول"، مؤكداً أن ما تم من جهود لاحتواء الأزمة يعكس كفاءة الحكومة وقدرتها على إدارة ملفات معقدة رغم مواردها المحدودة.


إسرائيل: عقدة السياسة الأميركية في سوريا
مع استمرار الضربات الإسرائيلية على سوريا، كان أبرزها استهداف مبنى الأركان وسط دمشق، لم تُظهر واشنطن موقفاً حاسماً. فقد وصف وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، ما جرى بأنه "سوء فهم"، في تبرير بدا أقرب إلى تبرئة ضمنية لتل أبيب من انتهاك السيادة السورية.


الحرج الأميركي ازداد مع تصريحات براك التي أكد فيها أن إسرائيل لم تطلب موافقة الولايات المتحدة قبل القصف، وأنها تتعامل مع جنوب سوريا باعتباره جزءًا من مجالها الأمني. هذا الطرح يُبرز عجز الإدارة الأميركية عن ضبط سلوك الحليف الإسرائيلي، ويضعها في موقف المتفرج غير القادر على فرض قواعد اشتباك متوازنة.


قسد والعودة إلى دمشق: تقارب بلا حسم
أما العلاقة المعقدة مع قوات سوريا الديمقراطية، فتقف على مفترق طرق. فقد أبدى براك استعداداً لدعم شراكة بين قسد والحكومة السورية، مؤكداً أن "الطريق إلى دمشق" هو الخيار الوحيد أمام الإدارة الذاتية.


ورغم توقيع اتفاق في مارس/آذار الماضي بين الطرفين بوساطة أميركية، لا يزال التنفيذ معطلاً، في وقت تتحدث فيه الإدارة الأميركية عن تقليص وجودها العسكري في سوريا، ليصل عدد الجنود إلى أقل من ألف. لكن في المقابل، تم تخصيص دعم مالي ضمن موازنة 2026 لقسد، ما يعكس تردداً أميركياً بين الانسحاب الكامل أو البقاء الرمزي.


رفع العقوبات: المسار الصعب
ضمن هذه التغيرات، صدر قرار تنفيذي عن الرئيس الأميركي بإنهاء العقوبات على سوريا في 30 يونيو/حزيران الماضي. لكن هذا القرار واجه عقبات قانونية وتشريعية، حيث أن كثيراً من العقوبات مرتبطة بتشريعات يقرّها الكونغرس. وبالتالي، فإن رفع العقوبات بشكل فعلي لا يزال رهين الإرادة السياسية في مجلسي النواب والشيوخ، وسط انقسام حزبي حاد بشأن الموقف من سوريا.


هل تملك واشنطن خطة متماسكة؟
المشهد العام للسياسة الأميركية في سوريا يبدو حتى الآن محكوماً بالتوازنات أكثر من المبادئ. فهي تراهن على حكومة دمشق لتحقيق الاستقرار، لكنها تعجز عن كبح جماح إسرائيل، وتبقي علاقتها مع قسد دون أفق واضح، وتواجه تحديات داخلية تحول دون حسم موقفها في ملفات العقوبات والسيادة.


وفي ظل هذا الواقع، تبقى الأسئلة قائمة:
- هل تملك واشنطن القدرة على فرض معادلة جديدة في سوريا تضمن وحدة الدولة وحماية الحلفاء؟
- وهل ستمتلك الشجاعة السياسية للضغط على إسرائيل، إن قررت توسيع تدخلها العسكري في الجنوب السوري؟
- وأخيراً، هل ستكون قادرة على صياغة شراكة متكاملة بين قسد ودمشق دون أن تسقط في فخ التناقضات السابقة؟


الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في الكشف عن قدرة الولايات المتحدة على التحول من مراقب متردد إلى فاعل منظم في الملف السوري، في لحظة إقليمية حساسة قد لا تحتمل مزيداً من التردد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 8