دخلت القيادات الدرزية في لبنان على خط التهدئة في محافظة السويداء جنوب سوريا، بعد تصاعد الاشتباكات وسقوط عشرات القتلى والجرحى خلال الأسبوع الماضي. ويأتي هذا التدخل وسط جهود دبلوماسية تهدف إلى منع تفاقم الوضع الأمني في منطقة تُعد تاريخيًا من الأكثر حساسية داخل الجغرافيا السورية.
الشيخ سامي أبي المنى، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، حمّل صراحة مسؤولية التوترات الأخيرة في السويداء لنظيره السوري الشيخ حكمت الهجري، معتبرًا أن مواقف الأخير كان يجب أن تتسم بمرونة أكبر في التعامل مع المتغيرات. وأضاف في تصريحات للتلفزيون الرسمي السوري أن "التصعيد لا يؤدي إلا للدمار"، مشددًا على دعم الطائفة في لبنان للدولة السورية الجديدة، التي وصفها بأنها تجاوزت "مرحلة النظام القديم".
وبينما يُحاول أبي المنى لعب دور الوسيط بين أطراف النزاع، أكد أن الدولة وحدها يجب أن تحتكر السلاح والسلطة، في إشارة واضحة إلى رفض أي كيانات مسلحة موازية، سواء محلية أو عابرة للحدود. وأوضح أنه على تواصل دائم مع كبار مشايخ السويداء، بمن فيهم يوسف جربوع وحمود الحناوي، في محاولة لرأب الصدع داخل الصف الدرزي.
التحركات لم تقتصر على أبي المنى. فقد عقد الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط اجتماعًا نادرًا في منزله، ضم خصومه التقليديين من الحزب الديمقراطي اللبناني وعلى رأسهم طلال أرسلان، إضافة إلى شخصيات بارزة من الحزب التقدمي الاشتراكي. الاجتماع، الذي جاء في ذروة الاشتباكات، اعتُبر خطوة استباقية للحفاظ على توازن الجبهة الدرزية في لبنان ومنع انتقال الصراع إلى الداخل.
ووفق ما نقلته "الوكالة الوطنية للإعلام"، ناقش المجتمعون سبل تحييد لبنان عن تداعيات الوضع في السويداء، مع تأكيد مشترك على دعم جهود التهدئة والتواصل مع الأطراف السورية.
هذا التدخل اللبناني، خاصة من طرفي الانقسام الدرزي التاريخي، يعكس خشية من انتقال العدوى الأمنية إلى الداخل اللبناني، وتحديدًا إلى الجبل. كما يكشف عن تفاهم غير معلن بين القيادات اللبنانية والسورية الجديدة لاحتواء الوضع في السويداء، التي ما تزال تشكل ثقلًا روحيًا ومجتمعيًا للموحدين الدروز.
كما يُقرأ في خلفية المشهد ضغط إقليمي متصاعد، خاصة بعد محاولات "إسرائيلية" مكشوفة لاستخدام ورقة الدروز في سوريا تحت ذريعة "الحماية"، وهو ما يُفسر بوضوح الزيارات السياسية اللبنانية المتكررة إلى دمشق، والحرص على التنسيق المباشر مع القيادة السورية الجديدة.
السويداء التي دخلت في هدوء حذر بعد اتفاق وقف إطلاق النار، لا تزال تحمل الكثير من احتمالات التصعيد، ما لم يُستكمل المسار السياسي لضبط السلاح ومحاسبة المتورطين في أعمال العنف الأخيرة.