في السنوات الأخيرة، تحوّل الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للدروز في السويداء، من داعم لنظام الأسد إلى أبرز المعارضين للإدارة السورية الجديدة بعد سقوط النظام أواخر عام 2024. ويبدو أن طموحات الهجري لم تعد تقتصر على الدور الديني، بل اتجهت نحو المطالبة بإدارة ذاتية للسويداء، وصولاً إلى الاستقواء بالخارج، وتحديدًا إسرائيل والولايات المتحدة.
ينطلق الهجري في معارضته من موقف معلن ضد ما يسميها "حكومة اللون الواحد"، منتقدًا بشدة تضمين الفقه الإسلامي كمصدر رئيسي للتشريع في الإعلان الدستوري السوري الجديد. وهو يرى في ذلك تهديدًا لتنوع البلاد، ومبررًا لمطالبته بدولة علمانية، لامركزية، تضمن للسويداء إدارة ذاتية مستقلة، بعيدًا عن سلطة دمشق.
ورغم أن الزعامة الروحية كانت في الماضي منصبًا رمزيًا، إلا أن الهجري استطاع تحويلها إلى مركز قرار سياسي، متجاوزًا الدور التقليدي لمشيخة العقل، لا سيما بعد خلافه مع زملائه في المرجعية الدينية، الشيخين يوسف جربوع وحمود حناوي، اللذين اختارا الوقوف إلى جانب الحكومة الجديدة. تفجرت هذه الخلافات بشكل علني عقب تجاهل الحكومة لمشيخة الهجري في مؤتمر الحوار الوطني بداية عام 2025، ما اعتُبر تهميشًا متعمدًا لدوره.
المشهد في السويداء تعقد أكثر في يوليو/تموز الجاري، بعد اشتباكات مسلحة بين مجموعات درزية تابعة للهجري وأخرى بدوية، ما دفع بالقوات الحكومية للتدخل، قبل أن تواجه مقاومة من "المجلس العسكري لمحافظة السويداء"، المدعوم من إسرائيل. هذا التصعيد عزز مخاوف من تدويل الملف الدرزي، خاصة في ظل تأكيد تقارير عن لقاءات جمعت ممثلين عن الهجري بمسؤولين أميركيين وإسرائيليين، وطرحه لخطة تمرد مسلح بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية.
وتتهم تقارير سورية ولبنانية الهجري بالسعي لتثبيت "ممر داود"، وهو مشروع إقليمي يُعتقد أن إسرائيل تدفع باتجاهه، ويربط مناطقها بمناطق سيطرة "قسد" عبر الجنوب السوري. ومن أبرز المؤشرات على ذلك مطالبته بفتح معابر مع الأردن ومناطق الإدارة الذاتية، إلى جانب طلبه العلني للدعم الإسرائيلي في مواجهة الحكومة السورية.
لا تخفى التناقضات في مواقف الهجري، الذي كان حتى عام 2021 مقرّبًا من نظام الأسد، واستقبل شخصيات تابعة للحشد الشعبي، بل وحرّض شباب الطائفة على الالتحاق بجيش النظام. لكن يبدو أن تحول النظام إلى دعم مشيخة جربوع، إضافة إلى خلافات شخصية وتعرضه لما اعتبره "إهانة استخباراتية"، كانت من بين الدوافع التي قلبت مواقفه رأسًا على عقب.
في نهاية المطاف، لا يمكن فصل مطالب الهجري عن الطموح السياسي المتزايد في السويداء، التي تعيش لحظة تحول حاسمة. فبين دعوات للامركزية، واستقواء بخارج يثير الجدل، يبقى مستقبل المحافظة رهينة صراع بين مراكز قوى محلية، وتحركات إقليمية ودولية لن تقف على الحياد طويلًا.