دمشق تُطهّر وجهها من رموز الماضي

سامر الخطيب

2025.07.20 - 01:48
Facebook Share
طباعة

 في خطوة لافتة تعكس تحولاً في رؤية المشهد العام في العاصمة السورية، أصدرت محافظة دمشق قراراً رسمياً يقضي بإزالة جميع الرموز البصرية المرتبطة بالنظام السابق من الشوارع والمباني العامة خلال مهلة لا تتجاوز 15 يوماً. ويشمل القرار الشعارات السياسية، الصور الشخصية، التماثيل، واللافتات التي لطالما كانت جزءاً من الفضاء العام في سوريا لعقود.


القرار الذي يستند إلى أحكام قانون الإدارة المحلية، جاء ضمن سياق أوسع من إعادة تنظيم البيئة البصرية للمدينة، وبهدف ترسيخ هوية جديدة تعكس مرحلة مختلفة من التاريخ السوري. ووفق ما تم تداوله، فإن الهدف الأساسي من هذه الخطوة يتمثل في إعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والفضاء العام، من خلال إزالة رموز التقديس السياسي والعودة إلى الحيادية المؤسسية.


مرحلة جديدة من التغيير البصري
في السنوات الأخيرة، ومع تزايد التحولات السياسية والاجتماعية، بدأت ملامح جديدة تتشكّل في المدن السورية، لا سيما في دمشق، حيث تحوّل المشهد البصري من رمزيّة السلطة إلى أشكال أكثر حيادية وتعبيراً عن الحياة اليومية للمجتمع. ومع هذا القرار، تدخل العاصمة مرحلة جديدة تتجاوز الرموز الأيديولوجية التي سادت طوال عقود، وتفتح المجال لإعادة صياغة المساحات العامة وفق منظور مدني جامع.


تُعد هذه الخطوة امتداداً لحملات متتالية شهدتها محافظات عدة، تم خلالها إزالة الصور الشخصية لرأس النظام السابق، الشعارات الحزبية، واللوحات التي كانت تمجّد النظام على جدران المؤسسات والدوائر الرسمية. ولم تكن هذه المظاهر مجرد ديكور بصري، بل كانت تجسيداً لعقود من الاحتكار الرمزي للسلطة، حيث تم تكريس حضور القائد في كل زاوية من الحياة العامة.


تنظيم جديد للفضاء العام
القرار الجديد ينصّ أيضاً على تنظيم عملية طلاء اللوحات والإشارات في المدينة ضمن معايير واضحة تحدد الألوان والخطوط المعتمدة، بما يضمن تناسقاً جمالياً موحداً عبر شوارع دمشق. وقد أسندت مهمة الإشراف على هذه العملية إلى مجالس الأحياء بالتعاون مع مديرية الخدمات الفنية، في إطار مشروع متكامل لإعادة تأهيل الفضاء العام.


ولا يقتصر الأمر على إزالة الشعارات فقط، بل يشمل أيضاً منع استخدام أي رموز أو ألوان غير مصرح بها، سواء في المحال التجارية أو المقرات الرسمية، مع اعتماد أكواد طلاء محددة لضمان الانسجام البصري العام. وقد تم التنويه إلى أن المخالفين سيتعرضون للمساءلة الإدارية، في إشارة إلى الجدية في تنفيذ القرار ضمن المهل المحددة.


نهاية حقبة تقديس الصورة
ترتبط هذه الخطوة بنقاشات واسعة داخل المجتمع السوري حول أهمية التخلص من موروثات الثقافة السلطوية التي كانت تعتمد بشكل كبير على تكريس صورة القائد كرمز دائم في الحياة اليومية. حيث يُنظر إلى إزالة هذه الرموز باعتبارها خطوة باتجاه تطهير الذاكرة الجمعية من عناصر الترهيب والتقديس القسري، وبداية لحقبة سياسية واجتماعية أكثر واقعية.


ففي الحقبة الماضية، تحوّل الفضاء العام إلى مسرح لعرض السلطة، من خلال صور ضخمة ولافتات تعيد إنتاج خطاب الولاء والإجبار، وهو ما خلق نوعاً من القطيعة بين المواطن ومحيطه اليومي. أما اليوم، فإن محاولة استعادة الحياد في المشهد العام تُعد بحد ذاتها خطوة تصالحية مع الذات المجتمعية، ورسالة بأن الدولة لم تعد تستمد شرعيتها من الرموز بل من الأداء والمؤسسات.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 9