تتجه الأنظار الأسبوع المقبل إلى العاصمة اللبنانية بيروت، التي تستعد لاستقبال الموفد الأميركي توم بارّاك في زيارته الثالثة إلى لبنان، وسط أجواء سياسية وأمنية دقيقة، وتشكيك متزايد في نوايا الزيارة ومخرجاتها. فالمعلومات المتضاربة حول ما سيحمله معه بارّاك، والرد اللبناني على الورقة الأميركية المحدثة، تشي بأن لا جديد حاسماً في الأفق، وأن الزيارة قد تكون مفصلية شكلاً، لكن دون ضمانات فعلية.
مؤشرات سلبية... وتوقيت مقلق
التحضيرات للزيارة تتزامن مع مؤشرات مقلقة. فقد جاء خطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الأخير – والذي شدد فيه مجدداً على رفض تسليم سلاح الحزب – ليصب الزيت على نار القلق السياسي، لا سيما أن التصريح جاء قبل أيام من وصول بارّاك، وبعد لقاء جمع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي في قصر بعبدا، أُبعد عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
هذا الاستبعاد، سواء من اللقاء السياسي أو من اجتماع أمني موسع تناول ملف السجناء السوريين، فتح الباب واسعاً أمام تساؤلات حول إدارة الملف اللبناني – الأميركي، ومدى جدية التماسك داخل السلطة اللبنانية، في ظل تغييب متكرر لرئيس الحكومة عن محطات أساسية.
رد لبناني موحد ولكن...
رغم ذلك، تفيد المعلومات بأن الرد اللبناني على الورقة الأميركية شبه منجز، وقد تم التوافق عليه بين الرؤساء الثلاثة. وتشير التسريبات إلى أن الرد يؤكد على:
ضرورة انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني.
إطلاق الأسرى اللبنانيين.
إعادة إعمار المناطق المتضررة.
تنظيم العلاقات مع سوريا، بما في ذلك ترسيم الحدود.
وضع خطة لعودة النازحين السوريين.
إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية.
ويؤكد الرد، من جهة أخرى، الاستعداد لبحث ملف سلاح "حزب الله"، لكن فقط ضمن شروط تتعلق بالحصول على ضمانات أميركية واضحة بشأن وقف الخروقات الإسرائيلية، وهو ما يبدو غير متوافر حتى الساعة.
زيارة بلا مفاجآت... ورسائل حازمة
مصادر دبلوماسية لبنانية تشير إلى أن بارّاك لا يحمل معه جديداً نوعياً، بل سيتحدث عن قبول إسرائيلي مبدئي بالانسحاب، ولكن بشروط وتفسيرات إسرائيلية لبنود اتفاق وقف إطلاق النار. ولا إشارات حتى الآن إلى استعداد أميركي لتقديم ضمانات مكتوبة أو واضحة للبنان، ما يجعل الزيارة محصورة بنقل الموقف الإسرائيلي والضغط باتجاه خطوات لبنانية مقابلة.
مصادر مطلعة قالت لـ"الديار" إن التلميحات الأميركية الأخيرة تتحدث عن جدول زمني لحصر السلاح بيد الدولة، يمتد من الخريف المقبل حتى نهاية العام، لكن هذه المعلومات لا تزال بحاجة لتأكيد ومزيد من النقاش.
أما زيارة بارّاك المنتظرة، فستتضمن لقاءات مع الرؤساء الثلاثة، وعدد من المسؤولين والفرقاء السياسيين، حيث من المتوقع أن ينقل رسالة "أكثر حزماً"، بخلاف لهجته السابقة، خاصة بعد مواقف "حزب الله" الأخيرة، والتي تعتبر واشنطن أنها تقوّض فرص التوصل إلى تسوية حقيقية.
محاولة لإثبات سيادة الدولة
من جهته، سيعرض الجانب اللبناني على الموفد الأميركي سلسلة خطوات متخذة لضبط الاستقرار الداخلي، والتأكيد على حصرية السلاح بيد الدولة، إضافة إلى تعزيز انتشار القوى الأمنية داخل المدن وعلى الحدود مع سوريا، وخصوصاً جنوب نهر الليطاني.
وذكرت صحيفة "الأنباء الكويتية" أن لبنان سيشدد على الالتزام بوقف إطلاق النار، والمطالبة بتثبيت ترتيبات أمنية جديدة مع الجانب الإسرائيلي، بالتوازي مع مناقشة آلية تنفيذ متزامن لبنود أي اتفاق مقبل، شرط أن يترافق مع التزام واضح بانسحاب الاحتلال من الأراضي اللبنانية المحتلة.
لا نتائج حاسمة متوقعة
وعلى الرغم من الحديث عن "فرصة أخيرة" أو "مفترق طرق مصيري"، تؤكد مصادر سياسية أن زيارة بارّاك لن تحمل اختراقاً فعلياً، بل ستفتح الباب أمام جولات تفاوضية لاحقة، لا سيما في ضوء المستجدات الإقليمية في سوريا وفلسطين، والانقسام السياسي الداخلي المتصاعد.
وتختم المصادر بالإشارة إلى أن الحديث المتكرر عن حسم قريب، أو تسوية سريعة، لا يتجاوز في معظم الأحيان إطار "التسريبات اللبنانية"، في وقت يبدو فيه الجانب الأميركي متمسكاً بمواقفه، دون تقديم تنازلات حقيقية في المقابل.
خلاصة
زيارة بارّاك الثالثة إلى لبنان قد تكون مفصلية في شكلها ومضمونها، لكنها – حتى اللحظة – تبدو "بلا ضمانات"، وفي ظل أجواء داخلية وخارجية غير مشجعة. فبين التصعيد الكلامي، والانقسام الداخلي، والغموض الأميركي، يبقى مصير لبنان معلقاً على مفاوضات دقيقة، يُخشى أن تطول أكثر مما تحتمل البلاد.