إصلاح ضريبي مرتقب في سوريا يثير الترقب

2025.07.16 - 11:19
Facebook Share
طباعة

 في تحول يُوصف بأنه الأكبر منذ عقود في السياسة المالية، أعلنت الجهات المعنية في سوريا عن مشروع شامل لإصلاح النظام الضريبي على الدخل، وسط وعود بتحقيق عدالة أكبر بين المكلفين، وتبسيط الإجراءات، وتخفيف الأعباء عن أصحاب الدخل المحدود، بالتوازي مع خطوات لتشجيع الاستثمار وتحسين البيئة الاقتصادية.


المشروع الجديد، المقرر تطبيقه مطلع عام 2026، يدخل حالياً مرحلة التشاور المجتمعي، حيث دُعي رجال الأعمال والمستثمرون والفعاليات المهنية والمدنية إلى تقديم ملاحظاتهم حتى نهاية تموز 2025، قبل صياغة النسخة النهائية من القانون.


ورغم أن الإصلاح الضريبي ظل مطلباً مؤجلاً لعقود، إلا أن المشروع الحالي يبدو مختلفاً من حيث الطرح والتنظيم، إذ يتضمن إعادة هيكلة شاملة لمنظومة التكليف الضريبي، واعتماد نظام أكثر دقة وشفافية، يعتمد على الدخل الحقيقي للأفراد والشركات، بدلاً من التقديرات القديمة التي شابها الغموض والارتياب.


من بين أبرز ما يتضمنه المشروع الجديد، الإعفاء الكامل من ضريبة الدخل للأفراد الذين لا يتجاوز دخلهم السنوي ما يعادل 12 ألف دولار. هذه الخطوة اعتُبرت بمثابة انفراجة حقيقية لذوي الدخل المحدود، الذين لطالما اعتبروا أن النظام الضريبي لا يراعي واقعهم المعيشي الصعب، خاصة مع تدهور القوة الشرائية وارتفاع تكاليف الحياة.


كذلك، تتجه السياسة الضريبية الجديدة نحو فرض ضريبة موحدة على دخل الشركات، دون تمييز بين نوع النشاط أو حجم الكيان القانوني، مع مراعاة طبيعة كل قطاع عند تحديد النسبة الضريبية. ويتم احتساب هذه الضريبة على أساس الأرباح الصافية، وفق بيانات محاسبية واضحة، مدعومة بإقرارات دقيقة وموثقة.


فيما يتعلق بآلية التكليف، يُلغى النظام السابق الذي اعتمد على لجان تقدير "مقطوعة"، والذي طالما واجه انتقادات لغياب الشفافية والمحاباة، ويُستبدل بأسلوب قائم على التوثيق المالي والمحاسبة القانونية، بإشراف مباشر من محاسبين معتمدين.

التحول الرقمي هو أيضاً من السمات البارزة في المشروع. فالنظام الجديد سيتجه إلى أتمتة كافة مراحل العملية الضريبية، بدءاً من تقديم الإقرارات، ومروراً بالربط الإلكتروني مع الجهات المعنية، ووصولاً إلى اعتماد فواتير إلكترونية موثقة. هذه الخطوة تهدف ليس فقط إلى تسريع المعاملات، بل أيضاً إلى الحد من التلاعب والفساد، وبناء قاعدة بيانات دقيقة وموثوقة تعكس الواقع الاقتصادي الفعلي.


كما يطرح المشروع آلية مبسطة للفصل في النزاعات الضريبية، من خلال تسريع إجراءات الطعن وإحالة القضايا المعقدة إلى محكمة ضريبية مختصة، ما من شأنه أن يقلل من الضغط على المكلفين، ويمنحهم فرصة حقيقية للدفاع عن حقوقهم ضمن إجراءات واضحة ومحددة زمنياً.


وبينما تترقب الأوساط الاقتصادية في سوريا نتائج هذه الخطوة، يسود شعور حذر بين المواطنين، الذين يتطلعون إلى أن يكون هذا المشروع بداية لمرحلة جديدة من العدالة الاقتصادية، بعد سنوات طويلة من الأنظمة الضريبية غير المنصفة، والإجراءات التي وُصفت مراراً بأنها معرقلة للحياة الاقتصادية اليومية.


لكن نجاح هذا المشروع سيبقى رهناً بمدى الجدية في التنفيذ، وشفافية التطبيق، والقدرة على تجاوز البيروقراطية القديمة، إضافة إلى الحاجة لخطط مرافقة تعزز الثقة، وتربط المواطن بمفهوم "الضريبة مقابل الخدمة"، في دولة لا تزال تعاني من تحديات معيشية واقتصادية كبيرة.


في المحصلة، إذا ما كُتب لهذا المشروع النجاح، فقد يشكل نقطة انطلاق لإصلاح أوسع في الإدارة المالية العامة، ينعكس بشكل مباشر على حياة الناس، ويعيد التوازن المفقود بين الدولة والمجتمع في العلاقة الضريبية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 5