شهدت محافظة السويداء، يوم الإثنين 14 من تموز، أحداثًا دامية تخللتها عمليات اقتحام واشتباكات عنيفة، وسط حالة من الذعر والقلق المتصاعد بين السكان. واتُهمت مجموعات تابعة لقوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع بارتكاب سلسلة من الانتهاكات، شملت عمليات تصفية ميدانية ونهب للممتلكات، إلى جانب استهداف مباشر للمدنيين.
مصادر محلية أكدت أن إحدى أبرز هذه الانتهاكات تمثلت باقتحام مضافة آل رضوان في المدينة، ما أسفر عن مقتل 15 مدنيًا على الأقل، في ما وُصف بأنه عملية "إعدام ميداني" نفذتها مجموعات أمنية دون محاكمة أو إنذار مسبق.
مدير شبكة "الراصد" الإعلامية، ضياء الصحناوي، أشار إلى أن الاعتداءات طالت عددًا من المحال التجارية التي تعرضت للحرق والنهب، إضافة إلى إطلاق نار عشوائي على المدنيين. كما وثقت الشبكة اقتحام منازل قرب جسر الأعوج، واستهداف طبيبة من آل مهنا بإطلاق نار مباشر، فضلًا عن حادثة مقتل سائق سيارة في حي الحروبي إثر تعرضه لإطلاق نار مجهول المصدر.
بالتزامن، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لعناصر يرتدون زي وزارة الدفاع أو قوى الأمن الداخلي وهم يعتدون على أشخاص مدنيين ويرغمونهم على الإهانة أمام الكاميرات. وقد أثارت هذه المقاطع موجة استياء شعبي، واعتُبرت دليلًا على غياب الانضباط والرقابة داخل الأجهزة الأمنية.
في المقابل، ظهرت تسجيلات قديمة تُظهر قيام فصائل محلية في السويداء باحتجاز عناصر من الأمن العام، مع مزاعم عن تصفيتهم، ما يعكس حجم التوتر والتعقيد في المشهد الأمني داخل المحافظة.
وتفاوتت ردود الفعل الشعبية إزاء هذه الأحداث؛ فبينما رحب بعض السكان بوجود قوات نظامية اعتبروها ضامنة للأمن، أعرب آخرون عن مخاوفهم من الانتهاكات المتكررة والانفلات الأمني المتصاعد، متهمين الحكومة بالفشل في ضبط المجموعات التابعة لها.
على الأرض، اندلعت اشتباكات في الشارع المحوري ودوار الملعب البلدي داخل المدينة، رافقها تحليق كثيف للطيران الحربي، ما زاد من التوتر العام. تزامن ذلك مع انسحاب بعض الآليات العسكرية الثقيلة من المدينة، فيما استمرت أصوات الاشتباكات المتقطعة، بالتوازي مع مفاوضات بين قائد الأمن الداخلي ووجهاء من المحافظة في محاولة لاحتواء التصعيد.
وفي تطور مقلق، وثقت جهات محلية منها "السويداء 24"، موجة نزوح كبيرة من أحياء المدينة، مع دخول قوات الأمن وانتشارها في الشوارع، حيث غادرت مئات العائلات منازلها نحو مناطق أكثر أمانًا، وسط مخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية.
أمام هذا المشهد المعقد، أصدرت وزارة الدفاع السورية تعميمًا لجميع الوحدات العسكرية العاملة في السويداء، يقضي بمنع التجاوزات وحماية المدنيين وممتلكاتهم. وشددت الوزارة على ضرورة التبليغ الفوري عن أي خروقات، مؤكدة أن الشرطة العسكرية ستتولى مراقبة الوضع ميدانيًا.
العميد علي الحسن، قائد الشرطة العسكرية، أعلن بدء انتشار عناصره إلى جانب الأمن الداخلي، وأكد أن أي تجاوز سيُتابع بشكل مباشر. كما حذر من دخول أي مجموعات غير نظامية إلى المدينة، مشددًا على الالتزام الصارم بالأوامر العسكرية.
وفي خطوة تهدف إلى التهدئة، أعلنت الوزارة وقفًا تامًا لإطلاق النار في السويداء، بعد التوصل إلى اتفاق مع وجهاء المدينة، يسمح بالرد فقط على مصادر النيران في حال استمرار الاستهداف من قبل من وصفتهم بـ"المجموعات الخارجة عن القانون".
وزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، أوضح في بيان رسمي أن القوات الحكومية ستبدأ بتسليم أحياء المدينة إلى قوى الأمن الداخلي فور انتهاء عمليات التمشيط، مع وعد بإعادة الاستقرار وضمان عودة المدنيين إلى منازلهم في أقرب وقت.
وبينما تسعى الحكومة إلى فرض سيطرة أمنية كاملة على السويداء، يبقى مصير المدينة معلقًا بين التحذيرات الرسمية وواقع ميداني متوتر، يهدد بتكرار موجات العنف في حال غياب حلول جذرية تحقن الدماء وتعيد الثقة بين الأهالي والمؤسسات الرسمية.