السويداء تشتعل: تصعيد دموي يهدد الاستقرار

سامر الخطيب

2025.07.14 - 10:30
Facebook Share
طباعة

 
تشهد محافظة السويداء تصعيدًا أمنيًا غير مسبوق، ينذر بانزلاق خطير نحو فوضى شاملة، مع تصاعد الاشتباكات المسلحة وسقوط عشرات القتلى والجرحى، في ظل غياب أي بوادر تهدئة حقيقية حتى الآن. الأحداث التي اندلعت مؤخراً على خلفية حوادث احتجاز متبادل واعتداءات مسلحة، وضعت المحافظة أمام سيناريو دموي مفتوح، وسط محاولات خجولة لاحتواء الموقف.


شرارة المواجهة
البداية كانت قبل أيام، حين تعرّض شاب من أبناء السويداء لهجوم مسلح من قبل مجموعة تنتمي إلى بعض عشائر المنطقة، أثناء مروره على طريق دمشق – السويداء، وتحديدًا قرب حاجز "المسمية". تم الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وسُلبت منه أمواله وهاتفه ومركبته، قبل أن يُطلق سراحه في منطقة نائية، ما أثار موجة غضب عارمة في الأوساط المحلية.


ردًا على الحادثة، قام شبان من السويداء باحتجاز عدد من أبناء العشائر، في خطوة وُصفت بأنها "رسالة تحذير"، لكنها كانت كافية لتفجير الوضع. سرعان ما نصبت مجموعات من العشائر حواجز مؤقتة في محيط المدينة، وتحديدًا في حي المقوس شرقي السويداء، واحتجزت عددًا من المواطنين من أبناء الطائفة الدرزية، وسط توتر شعبي كبير.


اشتباكات وانفجارات في قلب المدينة
صباح يوم الأحد، تصاعدت المواجهات بشكل حاد، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة في حي المقوس، تخللها إطلاق نار كثيف واستخدام للأسلحة الرشاشة، بالتزامن مع سقوط قذائف صاروخية انفجر معظمها في السماء. كما شهد المدخل الشمالي للمحافظة مواجهات مماثلة، كما شنت مجموعات مسلحة من أبناء العشائر هجومًا على حواجز تابعة للشرطة، تحديدًا بين بلدتي براق والصورة الكبيرة.


وأكدت مصادر ميدانية أن الهجوم على أحد الحواجز الأمنية ترافق مع قصف بالقذائف على محيط قرية "الصورة الكبيرة"، وسط محاولات من المهاجمين للتقدم نحو النقاط العسكرية.


تعزيزات من حوران وتحرك العشائر
في تطور خطير، دفعت مجموعات مسلحة من مناطق حوران بتعزيزات عسكرية باتجاه السويداء لمؤازرة العشائر البدوية. عشرات المقاتلين المنحدرين من ريف درعا وصلوا إلى أطراف المدينة، وانتشروا في محيط مناطق التماس، ما زاد من حدة التوتر ورفع وتيرة الاشتباكات، التي امتدت لاحقاً إلى قرى وبلدات أخرى.


سيطرت المجموعات المسلحة على مشارف بلدة الطيرة في ريف السويداء، فيما شهدت قرى لبين وسميع والمزرعة وحران اشتباكات ضارية، ترافقت مع استهداف تلك المناطق بعدد من القذائف، وحرائق في المنازل، أجبرت السكان على النزوح نحو مناطق أكثر أماناً داخل المدينة.


وأفادت مصادر محلية أن معظم سكان بلدة الطيرة غادروها إلى المزرعة ومدينة السويداء، بعد اشتداد الاشتباكات واندلاع النيران في منازلهم، فيما بقيت مجموعات محلية مرابطة للدفاع عن البلدة.


تدخل أمني وتأجيل الامتحانات
في خضم هذه الأحداث، أعلنت القوى الأمنية قطع طريق دمشق – السويداء عند حاجز المسمية، لتأمين سلامة المارة ومنع تفاقم الفوضى. كما أعلنت مديرية التربية في السويداء عن تأجيل امتحان مادة التربية الدينية لطلاب الشهادة الثانوية العامة في الفرعين العلمي والأدبي، والذي كان مقرراً يوم الاثنين، إلى موعد لاحق.

هذا القرار جاء في ظل المخاوف من تعرّض الطلاب أو الكوادر التعليمية لأي مخاطر محتملة، خاصة في ظل انفلات أمني واضح في عدد من أحياء المدينة.


تعزيزات عسكرية ومشاركة مباشرة
وفي مؤشر على جدية التصعيد، دفعت وزارة الدفاع السورية بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى محافظة السويداء، تضمنت آليات مدرعة وعشرات الجنود، بهدف تعزيز الحواجز الأمنية التي تعرضت لهجمات متكررة. وأكدت مصادر ميدانية أن بعض التشكيلات العسكرية تشارك فعليًا في المواجهات المسلحة، ما يفتح الباب أمام تحوّل الصراع إلى مستوى جديد أكثر خطورة.


حصيلة مأساوية
حتى مساء الأحد، بلغت حصيلة الضحايا جراء الاشتباكات المسلحة والقصف المتبادل في مختلف مناطق السويداء 37 قتيلاً، بينهم طفلان. وتوزعت الحصيلة بين 27 قتيلاً من أبناء الطائفة الدرزية، بينهم طفلان، و10 قتلى من أبناء العشائر البدوية، بالإضافة إلى أكثر من 100 جريح، بعضهم في حالات حرجة، وبينهم عدد من الأطفال.


مستقبل غامض وقلق شعبي
تشير المعطيات الميدانية إلى أن التصعيد مستمر، مع غياب أي مبادرة جدية للوساطة أو التهدئة، باستثناء محاولات متفرقة من بعض الوجهاء المحليين لإجراء مفاوضات للإفراج المتبادل عن المحتجزين ووقف إطلاق النار. لكن الواقع على الأرض لا يزال يحكمه منطق السلاح والردع المتبادل.


يخشى أبناء المحافظة من انزلاق الوضع نحو اقتتال أهلي مفتوح، يعيد إلى الأذهان مشاهد مؤلمة من النزاعات الطائفية والمناطقية التي شهدتها سوريا في سنوات الحرب. في الوقت ذاته، تُطرح تساؤلات عن دور الدولة وأجهزتها الأمنية في ضبط الأمن، خاصة مع وجود اتهامات بمواقف غير حيادية في بعض نقاط المواجهة.


تبقى محافظة السويداء، في ظل هذا المشهد المعقد، أمام مفترق طرق حاسم: إما الانزلاق أكثر في نفق العنف، أو التقاط فرصة اللحظة الأخيرة لإنقاذ النسيج الاجتماعي قبل أن يتمزق إلى الأبد.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4