في خطوة إدارية أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والاجتماعية، بدأت السلطات السورية الجديدة بإجراء تعديلات رسمية على وثائق اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في البلاد، شملت تغيير صفتهم من "فلسطيني سوري" إلى "فلسطيني مقيم"، إلى جانب إدراج اسم الجد في البيانات الشخصية ضمن السجلات الرسمية.
رغم أن هذه التغييرات تبدو في ظاهرها إجرائية، فإنها تحمل في طيّاتها تحوّلاً غير بسيط في النظرة القانونية لهوية اللاجئ الفلسطيني داخل سوريا، وهو ما أعاد فتح نقاش واسع حول أبعاد القرار، ودلالاته السياسية والحقوقية.
لأكثر من نصف قرن، اعتمدت السلطات السورية صيغة "فلسطيني سوري" للإشارة إلى وضع الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى البلاد بعد نكبة عام 1948، واستقروا فيها ضمن مخيمات ومناطق مخصصة. هذه الصفة لم تمنحهم الجنسية السورية، لكنها وفرت لهم معاملة قانونية خاصة، مكّنتهم من العمل والدراسة والحصول على خدمات صحية وتعليمية، مع احتفاظهم بهويتهم الوطنية الفلسطينية، ورفض إسقاط صفة اللجوء أو السير في طريق التوطين.
أما الآن، فإن استخدام مصطلح "فلسطيني مقيم" يطرح علامات استفهام عديدة. فالتعبير يوحي بنوع من الفصل القانوني والسياسي عن الهوية السورية التي كانت تُمنح رمزيًا للاجئ الفلسطيني، كما أنه يضع اللاجئين في خانة قانونية أكثر غموضاً، من حيث علاقتهم بالمؤسسات الرسمية والحقوق المرتبطة بالإقامة والعمل والتعليم.
إدراج اسم الجد في الوثائق، وإن بدا جانباً فنياً من التحديث الإداري، يأتي أيضاً في إطار تغييرات أوسع تُظهر سعي السلطات إلى إعادة ضبط البيانات المدنية للسكان، بما في ذلك اللاجئون، وربما وضع حدود أكثر وضوحاً بين فئات المقيمين، ما يفتح المجال أمام تباين في الحقوق والواجبات مستقبلاً.
القلق المتصاعد بين أوساط اللاجئين الفلسطينيين في سوريا اليوم لا يرتبط فقط بالمصطلحات الجديدة، بل بما تحمله من احتمالات لسياسات قادمة قد تُضعف من وضعهم القانوني، أو تعيد النظر في الامتيازات الجزئية التي حصلوا عليها منذ عقود، والتي شكلت توازناً هشاً بين الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وتوفير حياة ممكنة داخل سوريا.
ما يُخشى منه، بحسب كثير من المتابعين، هو أن يكون هذا التعديل تمهيداً لتقليص أو تقييد بعض الحقوق التي اعتُبرت لعقود من الخطوط الحمراء، مثل الحق في العمل ضمن القطاع العام، أو الوصول إلى التعليم الحكومي، أو حتى استمرار الاعتراف بوثائق السفر الخاصة بهم.
في ظل غياب إعلان رسمي يشرح الغايات من هذا التغيير، تبقى المخاوف قائمة من تحوّل رمزي في الهوية قد تكون له آثار عميقة على مستقبل عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين ما زالوا يعيشون في سوريا، بين نكبتين: أولى هجّرتهم من وطنهم، وثانية تهدد وجودهم القانوني في البلد الذي احتضنهم.