إسرائيل تبتلع الأرض: مشروع عسكري يعبث بالقنيطرة

رزان الحاج

2025.07.09 - 12:00
Facebook Share
طباعة

في ظل صمت دولي مستمر، تمضي إسرائيل في فرض سياسة الأمر الواقع داخل الجولان السوري المحتل، من خلال ما يعرف بمشروع "صوفا 53" الذي يواصل التوغل داخل الأراضي السورية جنوب بلدة الحميدية في ريف القنيطرة. المشروع الذي بدأ تنفيذه منذ عام 2022، يشكّل امتدادًا لاستراتيجية عسكرية إسرائيلية تسعى إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الميدانية والأمنية في المنطقة العازلة، على حساب السيادة السورية وحقوق المدنيين.


يمتد هذا الطريق العسكري المحصن داخل الأراضي السورية بعمق يتراوح بين كيلومتر إلى كيلومترين، ويُحاط بسواتر ترابية ضخمة وخنادق يصل ارتفاع بعضها إلى سبعة أمتار. ويشمل المشروع إنشاء نقاط مراقبة وممرات عسكرية بطول يقارب كيلومترًا في كل نقطة حيوية. هذه التحصينات لا تُبنى فقط من باب الدفاع، بل تُظهر نوايا إسرائيل في تحويل الأرض السورية إلى ميدان مفتوح لتحركاتها، دون أي اعتبار للقانون الدولي أو سيادة الدول.


المسار الاستراتيجي للمشروع يبدأ من منطقة "أم العظام" ويمر عبر "القحطانية"، و"الحميدية"، و"جباثا الخشب"، وصولًا إلى بلدة "حضر" ومنحدرات جبل الشيخ. وتكمن خطورته في كونه يربط النقاط العسكرية الإسرائيلية المنتشرة على طول الشريط الحدودي، ما يعزز حرية تحرك القوات والآليات الإسرائيلية داخل العمق السوري، ويُرسّخ وجودًا ميدانيًا متقدمًا يُصعب تغييره لاحقًا.


لكن الأبعد من الجانب العسكري، هو الأثر الإنساني والتدميري لهذا المشروع على حياة السكان المحليين. ففي محيط قاعدة الحميدية، شهدت المنطقة واحدة من أكبر عمليات الهدم الممنهجة لمنازل المدنيين، حيث تم تدمير أكثر من 15 منزلًا بالكامل، دون أي مبرر واضح أو إجراءات قانونية. هذه الانتهاكات تُضاف إلى سجل طويل من التجاوزات، تشمل التفتيش، التوغل، نصب الحواجز، والاعتقالات العشوائية، ما يضع السكان في حالة دائمة من التهديد والقلق.


اللافت أن هذه العمليات تتم بتجاهل تام لأي رقابة دولية، وكأن الجولان بات ساحة مستباحة لإسرائيل تفعل بها ما تشاء، مستغلة حالة التشرذم الإقليمي. كما أن المشروع يعكس رؤية أمنية إسرائيلية تقوم على التوسع والضبط بالقوة، بدلًا من اعتماد أي مسار تفاوضي أو احترام لحدود متفق عليها.


المفارقة أن ما يحدث في القنيطرة اليوم ليس مجرد تجاوز عسكري، بل هو إمعان في قضم الأرض وفرض واقع جيوسياسي جديد، قد يكون من الصعب التراجع عنه مستقبلًا. وإن بقيت ردود الفعل الرسمية والعربية محدودة أو شكلية، فإن الجولان في طريقه للتحول إلى منطقة عازلة "بحكم الأمر الواقع"، ترسمها الجرافات الإسرائيلية وتحرسها الأبراج المسلحة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4