تقدّم عدد من المحامين في مدينة حلب بدعوى قضائية بحق منشد محلي، عقب أدائه أنشودة خلال فعالية رسمية تحت عنوان "لعيونك يا حلب"، أثارت جدلاً واسعاً بسبب محتواها الذي اعتبره البعض تجاوزاً خطيراً لمشاعر السوريين. فقد قام المنشد خلال الحفل بتقديم أنشودة دينية تقليدية تُشيد بالنبي الكريم، لكنه أجرى تعديلات عليها بحيث أُسقطت الكلمات الأصلية لتُوجّه بشكل مباشر نحو تمجيد شخصية الرئيس، ما أثار موجة انتقادات وشكّل نقطة خلاف بين الشارع السوري.
في الدعوى التي رفعها المحامون، تم التأكيد على أن هذا الفعل لم يكن مجرد تحريف أو إساءة عابرة، بل يمثل استحضاراً لثقافة التطبيل السلطوي التي سبق وأن شهدها السوريون، والتي ثاروا ضدها بسبب ارتباطها بفترة القمع والتأليه الشخصي. وأوضحوا أن هذه الممارسات لا تليق بأي حال من الأحوال بالتقاليد الدينية والمجتمعية، بل تجرح مشاعر الملايين الذين عانوا وتطلّعوا إلى بناء وطن يحترم قيمه ولا يخضع لطقوس التمجيد الشخصية.
وأشار مقدمو الدعوى إلى أن مثل هذه الأعمال تمثل انتهاكاً خطيراً لمبادئ الحرية والتعبير المقبولة، كما تلحق ضرراً معنوياً بالغاً بالمجتمع الذي يسعى إلى تجاوز مراحل الظلم والقمع. وأكد المحامون على أن الشعب السوري، الذي قدم تضحيات جسيمة في سبيل الحرية والكرامة، لن يقبل بعد اليوم أن تتحول رموز الدولة أو القيادة إلى موضوع للتمجيد المطلق أو التصفيق السلطوي، مطالبين بأن يكون الولاء والتقدير للوطن بأكمله وليس لأشخاص بعينهم.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الدعوى القضائية تعكس حالة من الحساسية المتزايدة لدى السوريين تجاه كل ما يُشبه أساليب التأليه السياسي التي عرفها النظام في مراحل سابقة، والتي كانت سبباً رئيسياً في تفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية داخل البلاد. فالمرحلة الجديدة التي يطالب بها كثيرون ترتكز على احترام الرموز الوطنية والثوابت الدينية بعيداً عن التحريف أو الاستغلال.
في هذا السياق، يرى مراقبون أن الدعوى تمثل خطوة مهمة في مواجهة محاولات إعادة إنتاج ثقافة التمجيد السلطوي، التي لا تتماشى مع تطلعات السوريين الذين يسعون إلى مستقبل ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وكرامته. فالمواجهة القانونية هي أيضاً رسالة واضحة بأن التعبير الفني والثقافي يجب أن يخدم القيم الوطنية ولا يتحول إلى أداة للتطبيل السياسي أو الإساءة للرموز الدينية.
وبالتالي، تعكس هذه القضية نقاشاً أوسع حول حدود حرية التعبير والمسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتق الفنانين والمنشدين في مرحلة حساسة تمر بها البلاد، حيث يحاول المجتمع بناء هويته الوطنية على أسس من الاحترام والتوازن، بعيداً عن المظاهر السطحية للولاء أو التمجيد الذي لا يعبر عن الواقع ولا يخدم وحدة المجتمع.
في النهاية، يؤكد هذا التطور أن السوريين اليوم يطالبون بحقهم في التعبير الحقيقي، الذي يعبر عن آمالهم وتضحياتهم، وليس عن مصالح أو رموز شخصية قد تعيدهم إلى سنوات من القمع والاضطهاد. هذا الموقف القانوني والاجتماعي يوضح مدى الحساسية المتزايدة تجاه كل ما قد يثير الانقسامات أو يسيء إلى القيم الدينية والوطنية، مؤكدين أن الولاء الحقيقي يجب أن يكون للوطن وشعبه قبل أي شيء آخر.