شهد النصف الأول من شهر حزيران الجاري موجة مقلقة من الجرائم الجنائية في مختلف المحافظات السورية، وسط غياب أمني واضح وتفشي السلاح بيد المدنيين، ما يرفع منسوب التوتر والعنف بين الأفراد والمجتمعات المحلية.
في هذا السياق، تم تسجيل 18 جريمة قتل في عدة مناطق، راح ضحيتها 20 شخصًا، بينهم سيدتان، في مؤشر جديد على تفاقم أزمة العنف المجتمعي، وتزايد حالات تصفية الحسابات الفردية والثأرية، فضلًا عن النزاعات العائلية والشخصية التي باتت تُحل بالسلاح بدلاً من القانون.
وتصدرت درعا الحصيلة بـ6 جرائم، خلفت 7 قتلى، تلتها حماة بـ3 جرائم و3 ضحايا. ثم دمشق، السويداء، وحمص، وجميعها شهدت جرائم راح ضحيتها أكثر من شخص. بينما سُجلت حالات فردية في إدلب، دير الزور، واللاذقية، وريف دمشق.
الضحايا تنوعت قصصهم، لكن القاسم المشترك بينهم جميعًا هو العنف الدموي الذي أودى بحياتهم نتيجة لخلافات متفرقة: ففي اللاذقية، قتل شاب نتيجة خلاف مالي مع زملائه، تطور إلى إطلاق نار مباشر في منزله. وفي دمشق، عُثر على جثة شاب مفقود منذ أكثر من شهر، دون معرفة تفاصيل الجريمة. أما في درعا، فقد توزعت الجرائم بين حوادث ثأر قديم، واشتباكات عائلية، وأخرى غامضة، تميزت جميعها باستخدام السلاح بشكل مباشر، ما يعكس خطورة الواقع الأمني المتردي.
السويداء لم تكن أفضل حالًا، حيث قُتل رجل وزوجته بإطلاق نار مجهول المصدر، ضمن حادثة لا تزال دوافعها غير معروفة. في حماة، شهدت المدينة والريف التابع لها ثلاث جرائم، من بينها طعن شاب حتى الموت إثر شجار، وقتل آخر على خلفية نزاع مالي. وفي ريف دمشق، لقي شاب مصرعه برصاص مسلحين بعد مشادة كلامية حول سعر البنزين الذي كان يبيعه.
تُظهر هذه الجرائم مشهدًا عامًا ينذر بالخطر، إذ بات السلاح وسيلة للتعبير عن الغضب أو تصفية الخلافات، دون رادع قانوني فعّال أو قدرة على ضبط الأوضاع من قبل الجهات الأمنية.
هذا التصاعد في وتيرة الجرائم يشير إلى تفكك واضح في منظومة الردع المجتمعي، ويكشف هشاشة البنية الأمنية في العديد من المناطق. ومع غياب المساءلة، يتوسع هامش العنف، ويتحول إلى وسيلة حياة يومية تهدد كل من يعيش داخل البلاد.
في ظل هذا الواقع، يبرز تساؤل محوري: هل بات العنف هو القاعدة الجديدة في حل النزاعات داخل سوريا؟ وأين تقف الجهات المعنية من هذا الانهيار الأخلاقي والأمني؟
إن استمرار هذا المنحى، دون تدخل فعلي لإعادة ضبط الأمن وحصر السلاح، يضع المجتمع السوري أمام مزيد من التدهور، ليس فقط في الأرواح، بل في قيم التعايش والسلم الأهلي.