شهد شهر أيار/مايو 2025 اعتداءات إسرائيلية متكررة على الأراضي السورية، سواء عبر الغارات الجوية التي استهدفت مواقع عسكرية ومدنية، أو عبر التوغلات البرية والانتهاكات المتكررة في الجنوب السوري، خصوصاً في محافظة القنيطرة.
غارات جوية دامية في العمق السوري
نفّذت إسرائيل خلال أيار تسع ضربات جوية على مواقع متفرقة في سوريا، امتدت من دمشق وريفها إلى درعا، حماة، اللاذقية، وطرطوس. وأسفرت هذه الضربات عن استشهاد مدنيَين اثنين، وإصابة 12 آخرين، من بينهم 4 مدنيين.
جاءت أبرز الضربات في الثاني من أيار، حيث شن الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة، استهدفت فيها مناطق جبل قاسيون وبرزة وحرستا بريف دمشق، إلى جانب مواقع في درعا واللاذقية. وأسفرت عن مقتل مدني في حرستا، وإصابة 8 من عناصر وزارة الدفاع.
وفي الثلاثين من أيار، استهدفت المقاتلات موقعًا عسكريًا في ريف جبلة، ما أدى إلى مقتل مدني آخر وإصابة ثلاثة، في حين طالت صواريخ أخرى ثكنات ومخازن قديمة للذخيرة والآليات.
تشير التقديرات إلى أن هذه الهجمات تأتي ضمن استراتيجية مستمرة، حيث بلغ عدد الضربات الجوية الإسرائيلية منذ بداية 2025 نحو 47 ضربة، إضافة إلى 8 ضربات برية، ليبلغ إجمالي عدد الأهداف المستهدفة 82 هدفًا، بين مستودعات أسلحة ومقرات عسكرية ومراكز اتصال.
الجنوب السوري تحت الضغط: توغلات وتحرشات ميدانية
إلى جانب الغارات الجوية، تصاعد النشاط العسكري الإسرائيلي في محافظة القنيطرة، المحاذية للجولان المحتل، حيث سُجلت 28 عملية توغل وتحرك ميداني خلال الشهر.
شملت التحركات إنشاء حواجز مؤقتة، اعتقالات ميدانية، تحليق طائرات استطلاع، اقتحام بلدات زراعية، وتدمير بنى تحتية مدنية كآبار المياه وألواح الطاقة الشمسية. كما تم إحراق مساحات من الأراضي الزراعية عمداً لمنع الأهالي من الوصول إلى مناطق حدودية، في مشهد أعاد للأذهان ممارسات الاحتلال الاستيطاني.
وفي إحدى أبرز الحوادث، توغلت قوات إسرائيلية في قرية صيدا الجولان مدعومة بـ6 دبابات وطائرات مسيّرة، ونفذت عملية أمنية انتهت باعتقال سائق سيارة أجرة ونجله القاصر. في حادثة أخرى، قام الأهالي بطرد دورية إسرائيلية من رويحينة بعد رشقها بالحجارة، وخلع العلم الإسرائيلي عن إحدى مركباتها.
هذه التحركات أثارت استياء شعبياً واسعاً، خاصة مع محاولات متكررة لتقديم "مساعدات إنسانية" مرفوضة من السكان، الذين قابلوا هذه التحركات بالرفض العلني والحرق الرمزي للمساعدات الملقاة على أبواب المنازل.
قراءة تحليلية: ماذا تريد إسرائيل؟
لا يمكن فصل هذا التصعيد عن السياق الإقليمي المعقد، حيث تحاول إسرائيل فرض معادلات ردع جديدة على الأرض السورية، تحت ذريعة "منع التمركز الإيراني" أو "ضرب شحنات أسلحة نوعية". لكن، في الواقع، طالت الضربات مواقع حكومية ومراكز سيادية وأراضٍ زراعية، ما يشير إلى أهداف تتجاوز البعد العسكري إلى تقويض الاستقرار السوري من الداخل، وبث الفوضى على المدى الطويل.
ومع هشاشة الوضع الأمني في الجنوب السوري، تبدو إسرائيل كمن يختبر الخطوط الحمراء، ويتحرك في مساحة الفراغ الدولي، دون رادع أو مساءلة.
ومن المثير للقلق أن هذه الاعتداءات تجري وسط صمت عربي ودولي شبه تام، وتغطية إعلامية باهتة، وكأن دماء السوريين لا تجد من يتحدث باسمها في المحافل الدولية.
هذه الأرقام تضع إسرائيل في مواجهة مسؤولية قانونية وأخلاقية، ويُفترض أن تكون مادة لحراك دبلوماسي فاعل، لا أن تمر مرور الكرام كما هو الحال اليوم.