ترامب يختار باراك لسوريا.. الاستثمار في الدبلوماسية

2025.05.22 - 09:05
Facebook Share
طباعة

 بينما تشهد السياسة الأمريكية تحولات لافتة في تعاطيها مع الملف السوري، يبرز اسم توماس باراك، رجل الأعمال المثير للجدل وصديق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كمبعوث أمريكي مرتقب إلى سوريا، في خطوة تحمل رسائل سياسية واستراتيجية في آنٍ معًا. تعيين باراك المحتمل يأتي في سياق إعادة رسم دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خصوصًا بعد إعلان واشنطن قبل أيام رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مما فتح الباب واسعًا أمام سيناريوهات الانخراط الأمريكي بطريقة مختلفة عن مرحلة ما قبل 2024.


توماس جوزيف باراك، المولود في عام 1947 في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، هو ملياردير أمريكي من أصول لبنانية، يُعرف بعلاقاته الواسعة في دوائر المال والسياسة على حد سواء. تخرّج من جامعة جنوب كاليفورنيا، وحصل لاحقًا على شهادة في القانون، ثم بدأ مسيرته كمساعد قانوني في مكتب البيت الأبيض في عهد الرئيس نيكسون، قبل أن ينتقل إلى العالم العربي حيث عمل مستشارًا لشركة أمريكية في السعودية خلال سبعينيات القرن الماضي، وهناك بنى أولى علاقاته القوية مع قيادات خليجية.


أسّس باراك في التسعينيات شركة الاستثمار العقاري "Colony Capital" (التي أصبحت لاحقًا Colony NorthStar)، وجمع من خلالها ثروة هائلة تجاوزت المليارات، ووسّع نفوذه في قطاع الفنادق والعقارات ومجالات الطاقة. لكنه لم يكتف بالأعمال، بل كان دائم الحضور في كواليس السياسة، وعُرف بكونه أحد أقرب أصدقاء ترامب الشخصيين. تولى جمع التبرعات لحملة ترامب الانتخابية عام 2016، وكان عرّاب حفلة تنصيبه الرسمية، ما جعله في صلب دوائر النفوذ داخل البيت الأبيض.


تكليف باراك بالملف السوري، وفق ما نقله دبلوماسي مطلع في أنقرة، لم يكن مفاجئًا داخل أروقة الإدارة الأمريكية، خصوصًا أنه يشغل حاليًا منصب السفير في تركيا، ويتمتع بعلاقات مباشرة مع أنقرة، التي تُعتبر الطرف الإقليمي الأهم في الملف السوري بعد الإطاحة بالنظام السابق في دمشق أواخر عام 2024. وبحسب التسريبات، فإن واشنطن تنظر إلى باراك كشخصية تجمع بين النفوذ الاقتصادي والاتصالات الدولية والخبرة الشرق أوسطية، وهي مواصفات تبدو مناسبة تمامًا لمرحلة "إعادة هندسة" النفوذ الأمريكي في سوريا.


اللافت أن وزارة الخارجية الأمريكية لم تصدر حتى الآن تأكيدًا رسميًا بشأن التعيين، واكتفى المتحدث باسمها بالقول إنه "لا يوجد إعلان في هذا الوقت"، وهو رد دبلوماسي تقليدي قد يُخفي قرارًا أصبح بحكم المؤكد. وفي موازاة ذلك، أبدت مصادر دبلوماسية تركية تفاؤلها بالتعاون مع باراك، مشيرة إلى أن تعيينه سيساهم في رفع مستوى التنسيق بين واشنطن وأنقرة بخصوص مستقبل سوريا ووحدة أراضيها.


السياسة الأمريكية الجديدة، بحسب ما كشفه وزير الخارجية ماركو روبيو خلال جلسة استماع في الكونغرس، تقوم على دعم الحكومة الانتقالية في سوريا، والعمل من خلال البعثة الأمريكية في تركيا لتحديد نوع المساعدات المطلوبة، دون الحاجة لوجود سفارة مباشرة في دمشق في هذه المرحلة. وأضاف روبيو أن بلاده لا تريد تكرار سيناريو الفوضى، وتسعى إلى إسناد المؤسسات الناشئة وتثبيت الأمن، وهو ما يجعل من وجود مبعوث يتمتع بنفوذ مالي وشبكة علاقات أمراً جوهرياً.


توماس باراك، برغم تاريخه المعقد وانتقاد البعض لتداخله بين المال والسياسة، يبقى خيارًا عمليًا لإدارةٍ تفضل المقاربة الاقتصادية والدبلوماسية على التدخل العسكري. وهو الآن، إن تأكد تعيينه، أمام مهمة غير سهلة: نسج خيوط توازن دقيق بين قوى محلية وإقليمية، وإعادة تعريف الدور الأمريكي في بلد مزقته الحروب، وأعاد خلط أوراق الشرق الأوسط بأكمله.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 3