أثار إعلان حزب "العمال الكردستاني" رسميًا حلّ نفسه والتخلي عن العمل المسلح، الكثير من التساؤلات حول تداعياتها المحتملة، خاصة على المشهد المعقد في شمال شرقي سوريا، حيث تعدّ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) امتدادًا سياسيًا وعسكريًا للحزب من حيث البنية والأيديولوجيا.
ورغم أن إعلان الحل، الذي صدر عن القيادي جميل بايق في 12 أيار، حمل لهجة تصالحية أكدت السعي لـ"السلام الطويل الأمد"، إلا أن الردود الإقليمية، خاصة من تركيا، بدت حذرة، بانتظار خطوات ملموسة تؤكد انسحاب كوادر الحزب من الميدان وتسليم الأسلحة، خصوصًا في سوريا.
تشير الوقائع إلى أن هذه الخطوة قد تمثل محاولة لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة، حيث ظلت تركيا لعقود تستخدم وجود الحزب في شمال سوريا والعراق كذريعة رئيسية لتبرير تدخلها العسكري، ما يجعل من هذا القرار، ظاهريًا، فرصة لتخفيف الضغط عن "قسد". لكن أنقرة، بحسب باحثين، لا ترى في مجرد قطع العلاقة الشكلية مع "قنديل" ضمانًا كافيًا لأمنها القومي، طالما أن الكيان الكردي ذاته قائم ويتمتع بهياكل مستقلة.
في الداخل السوري، يفتح القرار بابًا واسعًا أمام تحولات قد تُغيّر من طبيعة تموضع "قسد". فمع بقاء حزب "الاتحاد الديمقراطي" كقوة مهيمنة وامتلاكه قاعدة دعم شعبية وتنظيمية متجذرة، فإن فكّ الارتباط الرسمي مع "العمال" قد يتيح له مساحات أوسع للتحرك السياسي، سواء في إطار تفاهمات مع دمشق، أو ضمن تسوية داخلية تتفادى الصدام مع تركيا.
اللافت أن الحكومة السورية لم تُصدر أي موقف رسمي من القرار حتى الآن، بينما اعتبرت "قسد" والإدارة الذاتية أنه "خطوة إيجابية"، من دون تقديم تفاصيل عن مصير الكوادر المرتبطة بالحزب، خاصة المقاتلين الأجانب، الذين طالما شكّلوا عقدة أمام أي مفاوضات داخلية.
المواقف الدولية، وخاصة التركية، لا تزال تراقب عن كثب، بانتظار معرفة الجهة التي ستتولى استلام الأسلحة، ومصير قيادات "العمال" المطلوبين لتركيا، ومدى جدية هذا القرار في خفض التوترات المزمنة. وقد أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، زكي أوكتورك، إلى أن بلاده لن تكتفي بالتصريحات، بل ستستمر في عملياتها لضمان تفكيك ما تبقى من شبكة الحزب في المنطقة.
ومع كل ذلك، يشكك بعض المتابعين في قدرة الحزب على تنفيذ هذه الخطوة فعليًا. فالتاريخ لا يخلو من تجارب مشابهة؛ ففي عام 1999 أعلن "العمال الكردستاني" حل نفسه بعد اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان، لكنه عاد لاحقًا لممارسة العمل المسلح. والسيناريو ذاته تكرر بعد محادثات 2013 التي انهارت في 2015.
وبين نوايا السلام ومصالح النفوذ، يبقى سؤال المستقبل مطروحًا: هل نحن أمام نهاية فعلية لعقود من التداخل العسكري والسياسي لحزب "العمال" في سوريا؟ أم مجرد إعادة تموضع بلباس جديد ضمن لعبة التوازنات التي لم تُحسم بعد؟