شهدت الأسواق السورية خلال الساعات الماضية حالة من الارتباك الواسع، عقب تراجع مفاجئ وحاد في سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية، حيث انخفض السعر إلى ما دون 8000 ليرة بعد فترة من الاستقرار النسبي بين 11800 و12000 ليرة. هذا الانخفاض، الذي جاء بعد الإعلان عن رفع العقوبات المفروضة على البلاد، أثار موجة من التساؤلات في أوساط المواطنين والتجار على حد سواء، حول تداعياته الفعلية على الواقع المعيشي اليومي.
في جميع المحافظات، من دمشق إلى حلب واللاذقية ودير الزور، لوحظ توقف جزئي في حركة البيع والشراء في أسواق الصرافة. العديد من مكاتب الصرافة جمّدت مؤقتاً عمليات بيع الدولار بانتظار استقرار السوق وتوضّح الرؤية المالية القادمة. لكن في مقابل ذلك التراجع في قيمة الدولار، لم تُسجل أي تحركات تُذكر على صعيد الأسعار، لا في الأغذية ولا في الأدوية ولا في السلع الاستهلاكية الأساسية.
المواطنون عبّروا عن إحباطهم من هذا الانفصال الواضح بين سعر الصرف والأسعار في الأسواق، حيث لم يُلاحظ أي انخفاض فعلي في كلفة المعيشة، بل على العكس، استمرت بعض المنتجات في الارتفاع. يفسر البعض هذا الواقع بانعدام الرقابة الحكومية الحقيقية، وبتكرار استغلال بعض التجار لأي تغير في سعر الصرف لصالحهم فقط، دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على المستهلك.
من ناحية أخرى، يرى مراقبون أن الانخفاض الأخير في سعر الدولار قد يكون مؤقتاً أو غير مستقر، ما يدفع التجار والمستوردين إلى التريث قبل تعديل لوائح الأسعار. ومع ذلك، تبقى هذه الذريعة غير مقبولة بالنسبة للمواطن الذي يعاني يومياً من فجوة واسعة بين دخله وتكاليف حياته، خاصة في ظل استمرار الرواتب المنخفضة والتضخم المتزايد.
تعقيد المشهد الاقتصادي لا يعود فقط لتقلبات سعر الصرف، بل يشمل أيضاً غياب الشفافية في تسعير المنتجات، وتعدد حلقات الوساطة بين المستورد والمستهلك، وتفاوت طرق الاستيراد والتوزيع، ما يؤدي إلى تفاوت كبير في الأسعار من منطقة لأخرى ومن متجر لآخر.
الوضع الحالي يكشف عن خلل بنيوي في المنظومة الاقتصادية، ويطرح علامات استفهام حول فاعلية الدور الحكومي في حماية المستهلك ومراقبة السوق. في ظل غياب إجراءات واضحة وسريعة لضبط الأسعار، وتطبيق آليات فعالة للرقابة، يبقى المواطن هو الطرف الأضعف، يدفع ثمن كل تغير اقتصادي دون أن يلمس أي تحسن في واقعه المعيشي.
ومع استمرار هذه الفجوة، يبقى السؤال قائماً: إلى متى سيبقى المواطن الحلقة الأضعف في معادلة السوق، ومتى ستترجم التحركات الاقتصادية إلى تحسين حقيقي في حياة الناس؟