في عملية نوعية شرقي دير الزور، أعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) اعتقال قيادي بارز في تنظيم "الدولة الإسلامية"، في خطوة تؤكد استمرار المعركة المفتوحة ضد بقايا التنظيم، الذي وإن انهارت خلافته جغرافيًا، لم يتوقف عن تنفيذ هجمات وعمليات أمنية منذ عام 2019.
وأعلنت "قسد"، مساء الجمعة 3 أيار، عن تنفيذ عملية "خاصة ودقيقة" في ريف دير الزور الشرقي، أسفرت عن اعتقال حمود عبد الله الخطيب، المعروف بـ"أبو زكريا"، والذي يشغل منصب "أمير خلية اقتصادية" في التنظيم. العملية نُفذت من قبل فرق "العمليات العسكرية" (TOL) التابعة لـ"قسد"، وبمساندة من التحالف الدولي.
وذكرت "قسد" أن القيادي كان يدير أنشطة مالية للتنظيم، تتضمن جمع أموال بالقوة، وابتزاز المدنيين، ما يشير إلى الدور الذي تلعبه هذه الخلايا في تمويل نفسها رغم غياب السيطرة الجغرافية.
على عكس الصورة السائدة بأن تنظيم "الدولة" انتهى بعد سقوط آخر معاقله، فإن الواقع الأمني في مناطق مثل دير الزور والبادية السورية يظهر أن التنظيم حافظ على وجود شبكي مستمر. ينفذ هجمات خاطفة، يختفي سريعًا، ويعود بأشكال متعددة.
ففي 28 نيسان الماضي، تبنى التنظيم قتل خمسة من عناصر "الأسايش" التابعة لـ"قسد" في منطقة جزرة البوحميد. وفي أعقاب الهجوم، رفعت "قسد" جاهزيتها، وحذّرت من "مخططات خطيرة" تعكس استمرار وجود خلايا نشطة وخطيرة.
التنظيم لم يختفِ، لكنه غيّر تكتيكاته. بات يعمل ضمن مجموعات صغيرة وخلايا سرية، لا تحتاج إلى بنى فوقية، ولا تسعى للسيطرة على الأرض بقدر ما تركز على زعزعة الاستقرار وإرهاب الخصوم. هذا النمط الجديد، الذي يجمع بين التمويل الذاتي والهجمات النوعية، يجعل من الصعب على القوى الأمنية القضاء عليه بالكامل.
رغم خسارته الكبرى قبل خمس سنوات، لا يزال التنظيم يحتفظ بشبكات دعم، ومقاتلين محليين، وبيئات خصبة للاستقطاب، خاصة في ظل التهميش، والضغوط الاقتصادية، وغياب حلول سياسية شاملة في سوريا.
تقارير أممية وأمريكية، مثل ما نشرته "نيويورك تايمز" في 9 نيسان، أشارت إلى تصاعد نشاط التنظيم مجددًا، وزيادة عملياته، ومحاولته استقطاب مجندين جدد. كما يُخشى من سعيه المستمر لتحرير مقاتليه من سجون "قسد"، ما قد يفتح الباب أمام موجة تهديد جديدة إذا ما فشل المجتمع الدولي في دعم جهود احتوائه.
بالنسبة لـ"قسد"، فإن هذه العملية تمثل نجاحًا استخباراتيًا، لكنها أيضًا تأتي في سياق ضغوط متزايدة. فالمجتمع الدولي، وعلى رأسه واشنطن، يطالبها بإبقاء التنظيم تحت السيطرة، خصوصًا في ظل الانتقادات المتكررة حول ظروف السجون، وضعف الرقابة، وتزايد الهجمات.
ومع أن "قسد" لا تزال الطرف الأكثر فاعلية في محاربة فلول "داعش"، فإن قدراتها تبقى محدودة بدون دعم مستمر، مادي ولوجستي، من التحالف الدولي، وتعاون فعّال مع السكان المحليين الذين يعانون من آثار الصراع المتراكم.
الاعتقال الأخير لن يوقف خطر التنظيم، لكنه يشكل خطوة ضمن جهود مستمرة لشلّ قدراته. المطلوب اليوم هو استراتيجية طويلة الأمد لا تقتصر على الردّ الأمني، بل تتضمن أيضًا مواجهة الظروف التي تسمح ببقاء التنظيم حيًا: الفقر، الانقسام السياسي، وانعدام الحلول الوطنية.
ففي الوقت الذي تتحدث فيه تقارير عن تفاهمات سياسية جديدة بين دمشق و"قسد"، فإن أي عملية استقرار جادة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن بقاء خلايا "داعش" ليس مجرد مسألة أمنية، بل قضية ترتبط بغياب العدالة والتنمية في شرق سوريا.