عمال سوريا في عيدهم: بين التهجير والحرمان

رزان الحاج

2025.05.01 - 12:27
Facebook Share
طباعة

 في الأول من مايو من كل عام، يحتفل العالم بـ"عيد العمال العالمي"، الذي يحمل في طياته تاريخًا طويلًا من الكفاح من أجل حقوق العمال، حيث بدأ من إضرابات مدينة شيكاغو عام 1886 للمطالبة بتحديد ساعات العمل إلى ثماني ساعات. هذا اليوم لم يصبح مجرد ذكرى، بل تجسيدًا لنضال العمال في كل مكان من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. لكن في سوريا، يأخذ هذا اليوم طابعًا مختلفًا، إذ يُذكّر بالواقع القاسي الذي يعيشه العمال السوريون في ظل النزاع المستمر وتدهور الأوضاع الاقتصادية.


منذ اندلاع النزاع في 2011، كانت الطبقة العاملة السورية من أكثر الفئات تضررًا، حيث تأثرت بشكل كبير نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية، وتفكك النقابات العمالية، وهجرة الكثير منهم إلى دول الجوار في بحث مستمر عن فرص أفضل. لكن الوضع لم يكن أفضل في الخارج، حيث تعرض العمال السوريون للعديد من الضغوط في دول اللجوء، بدءًا من حملات الترحيل وصولاً إلى التمييز العنصري والعزلة الاجتماعية، مما زاد من معاناتهم.


واقع العمال السوريين في الخارج
تشير الإحصائيات إلى أن أعداد العمال السوريين في دول الجوار قد تراجعت بشكل ملحوظ منذ بداية 2024، نتيجة لعدة عوامل أبرزها حملات الترحيل في دول مثل لبنان وتركيا، إضافة إلى الظروف الصعبة التي فرضتها النزاعات الإقليمية. مع تصاعد الضغوط في دول الجوار، أصبح العامل السوري في كثير من الأحيان ضحية لسياسات عنصرية وفرض قيود تسببت في حرمانه من حقوقه الأساسية.


مئات الآلاف من العمال السوريين في لبنان وتركيا وغيرها من الدول يعانون من فقدان وظائفهم أو تعرضهم للترحيل القسري. العودة إلى سوريا لم تكن حلاً أفضل، حيث يواجه العامل السوري في الداخل ظروفًا معيشية قاسية، إذ يفتقر السوق المحلي للفرص الكافية ولا توجد برامج دعم أو مشاريع تنموية حقيقية توفر فرص عمل مستدامة.


أزمة العمل في الداخل السوري
العودة إلى الداخل السوري، حيث لا تزال آثار الحرب مدمرة على البنية التحتية والمرافق الاقتصادية، تؤدي إلى نقص حاد في فرص العمل. يعاني العديد من العمال السوريين الذين عادوا إلى مناطقهم من تدني مستوى الأجور وغياب أي شبكات حماية اجتماعية. في كثير من الحالات، يعجز العامل عن تأمين لقمة عيشه بسبب تدهور الوضع الأمني وانعدام الظروف الملائمة للعمل في العديد من المناطق.


يعيش العامل السوري بين مطرقة التهجير وسندان الفقر. في الداخل السوري، لا توجد مشاريع تنموية حقيقية يمكن أن توفر فرصًا مستدامة للعمل، بالإضافة إلى غياب الدعم الحكومي أو المؤسسي للعمال، مما يجعلهم الحلقة الأضعف في المجتمع. لا تكاد توجد بيئة تحفز على الإنتاجية أو توفر الأمن الوظيفي، الأمر الذي يفاقم من معاناتهم ويجعلهم عُرضة للعيش في ظروف غير إنسانية.


دور المجتمع المحلي والدولي
إن يوم العمال في سوريا يجب أن يكون أكثر من مجرد مناسبة للاحتفال بالذكرى، بل فرصة لتذكير العالم بأهمية توفير بيئة عمل آمنة وكريمة لجميع العمال، خاصة في ظل الأزمات. إن المسؤولية عن تحسين أوضاع العمال السوريين ليست مقتصرة على السلطات السورية فحسب، بل يجب أن تكون مسؤولية مشتركة بين المجتمع المحلي والدولي والمنظمات الحقوقية. التعاون الدولي هو السبيل الوحيد لتوفير فرص العمل والحماية الاجتماعية للعمال السوريين، سواء داخل سوريا أو في دول الجوار.


إن دعم العمال السوريين ليس فقط مسؤولية الحكومة أو المنظمات الإنسانية، بل هو مسؤولية العالم أجمع. لا يمكن الحديث عن تنمية أو إعادة إعمار دون توفير بيئة عمل عادلة تضمن حقوق العامل السوري، الذي يواصل الكد من أجل بناء مستقبل أفضل لنفسه ولعائلته.


في هذا اليوم، نعيد التأكيد على أن الكرامة لا تأتي إلا من خلال العمل الشريف والبيئة التي تحترم حقوق العامل وتضمن له حياة كريمة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4