أشرفية صحنايا: اختبار أمني ودولي على أرض سورية

رزان الحاج

2025.05.01 - 11:33
Facebook Share
طباعة

 في مشهد يعكس التعقيد الشديد الذي تعيشه الساحة السورية بعد سقوط النظام، برزت المواجهات التي شهدتها مدينة أشرفية صحنايا خلال الأيام الأخيرة كحدث مركزي، مثير للجدل، يستدعي التحليل الهادئ والبعيد عن العاطفة.


ففي وقت تسعى فيه الدولة السورية لاستعادة سيادتها وفرض سلطة القانون على امتداد الأراضي السورية، برزت أصوات داخلية وخارجية، بعضها يحمل أجندات مشبوهة، تطعن في نوايا الحكومة وتفتح الباب أمام تدخلات خارجية، أبرزها الضربات الإسرائيلية المتكررة.


الأحداث الأمنية: إعادة ضبط للمشهد المحلي
بدأت المواجهات حين شنت قوات من وزارتي الدفاع والداخلية السورية، مدعومة بوحدات رديفة، حملة أمنية في أشرفية صحنايا وجرمانا. الهدف المعلن كان واضحًا: استعادة السيطرة على مناطق باتت تشهد حالة من الانفلات الأمني والسلاح العشوائي، والتي تفاقمت بفعل وجود مجموعات مسلحة محلية، تتذرع بحماية الأحياء ولكنها تعمل خارج القانون، بحسب وصف وزارة الداخلية.


وخلال الاشتباكات، شهدت المنطقة تحليقًا للطيران الإسرائيلي وهجمات بطائرات مسيّرة، ما أضفى على الموقف بعدًا إقليميًا خطيرًا، وحوّل مواجهة أمنية داخلية إلى ساحة تدخل خارجي فاضح.


الروايتان: بين موقف رسمي واضح واعتراضات دينية محلية
في الوقت الذي شدد فيه محافظ ريف دمشق، عامر الشيخ، على أن السلم الأهلي لا يتحقق إلا بحصر السلاح بيد الدولة، عبّر الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، عن رفضه لاتهام الفصائل المحلية بالخروج عن القانون، معتبرًا إياها مجموعات “كانت تدافع عن منازلها”.


ورغم أهمية احترام المواقف الدينية والتعددية، إلا أن توظيف الشعارات الطائفية وتبرير حمل السلاح خارج إطار الدولة، كما ورد في بعض بيانات المعترضين، يفتح الباب واسعًا أمام الفوضى، ويخدم بصورة مباشرة أجندات لا تريد لسوريا الاستقرار، بل تسعى لتدويل أزماتها من بوابة الأقليات.


تصريحات الهجري، رغم تعبيرها عن مخاوف شريحة من المواطنين، جاءت متوترة، وتضمنت دعوات لتدخل دولي، الأمر الذي قوبل برفض واسع من الدولة السورية، وأثار تساؤلات حول جدوى الزج بالمجتمع الدولي في ملف سيادي داخلي.


الدولة السورية ترد بحزم
في بيان رسمي، أكدت وزارة الخارجية السورية أن الدعوات لحماية دولية من قبل "جماعات خارجة عن القانون" مرفوضة شكلاً ومضمونًا، كونها تنتهك سيادة الدولة وتفتح الباب أمام الفوضى والتدويل. وشددت الخارجية على التزام الدولة بحماية كافة مكونات الشعب السوري، بما في ذلك الطائفة الدرزية، التي وصفتها بأنها “جزء أصيل من النسيج الوطني”.


وقد أشادت الوزارة بدور الشيوخ المعتدلين من أبناء الطائفة، وعلى رأسهم الشيخ يوسف جربوع والشيخ يحيى الحجار، الذين شاركوا في جهود تهدئة الأوضاع والتواصل مع السلطات الرسمية.


الضربات الإسرائيلية: تدخل فج أم “حماية” مزعومة؟
الأخطر في المشهد، كان التدخل العسكري الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية، بحجة “حماية الدروز”، بحسب بيانات رسمية من تل أبيب.


فقد أقرّ الجيش الإسرائيلي صراحة بتنفيذ ضربات بطائرات مسيّرة استهدفت تجمعات قرب صحنايا، متذرعًا بوجود "مسلحين يهاجمون المدنيين الدروز"، في رواية تُظهر ازدواجية المعايير والاستخدام السياسي للطوائف.


وبعيدًا عن التصريحات التي حاولت الترويج لصورة “المدافع عن الأقليات”، فإن إسرائيل لا تمتلك أي تفويض دولي للتدخل العسكري في سوريا، تحت أي ذريعة. بل إن قصفها المتكرر للمواقع السورية، في خضم عملية أمنية داخلية، يؤكد وجود أجندة واضحة لزعزعة الاستقرار ومنع الدولة من بسط سلطتها على أراضيها.


وقد اعتبر مراقبون أن هذا التدخل يعد سابقة خطيرة، ويمهد لتحول “الذرائع الإنسانية” إلى غطاء لتبرير العدوان على السيادة السورية، كما حدث في تدخلات سابقة في العراق وليبيا.


نداء الفتنة ونداء الوطن: من يستحق الإصغاء؟
وسط هذا التصعيد، برز صوت المفتي العام للجمهورية العربية السورية، الشيخ أسامة الرفاعي، الذي دعا السوريين جميعًا لعدم الانجرار وراء الفتن، مؤكدًا أن كل قطرة دم سورية غالية، وأن الفتنة لا تُبقي ولا تذر. وحثّ الرفاعي على العودة للعقل والحوار، ونبذ الثأر، مؤكدًا أن "العدالة هي طريق النجاة، لا الانتقام".


نحو سيادة لا تقبل المساومة
إن الحملة الأمنية التي جرت في صحنايا، رغم ما رافقها من أخطاء أو تجاوزات، تمثل محاولة ضرورية لحماية وحدة سوريا ومنع انزلاقها إلى النموذج الليبي.


ولا شك أن مطالبة الدولة بحصر السلاح بيدها ليست رغبة سلطوية، بل مطلب دستوري وأمني يعكس مصلحة كل السوريين. فبقاء السلاح بيد الجماعات المحلية، مهما حسُنت نواياها، هو وصفة جاهزة للفوضى، وتكرار للمآسي.


الخلاصة: سوريا لا تُحمى إلا بسورييها
لا حماية حقيقية تأتي من الخارج. ولا طمأنينة تبنى على طائرات مسيّرة أو تهديدات من وراء الحدود. إن بناء الدولة يبدأ من الداخل، بالحوار، وإعادة الاعتبار للقانون، ومعالجة المظالم، ولكن دون المساس بالسيادة الوطنية.


ما حدث في صحنايا يجب أن يكون محطة مراجعة وطنية، يتوقف فيها الجميع أمام خياراتهم. فإما دولة قوية تحكمها مؤسسات، أو فوضى عارمة تتلاعب بها أيادي الخارج.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 6