لم تكد الأحزاب الكردية السورية تنهي أعمال «المؤتمر القومي» الذي انعقد في مدينة القامشلي، حتى اشتعلت الساحة السورية بردود فعل واسعة حيال الوثيقة التي خلص إليها المؤتمر، والتي تضمنت الدعوة إلى نظام فدرالي لامركزي في شمال سوريا. وانقسمت الآراء بين من اعتبر المؤتمر محاولة لإحداث تغيير ديمغرافي وسياسي في محافظة الحسكة والمناطق المحيطة بها، ومن رأى فيه خطوة نحو توسيع دائرة النقاش الوطني وإعادة صياغة العلاقة بين المكوّنات السورية المختلفة.
معسكر الرفض
برزت بشكل خاص مواقف أبناء العشائر العربية، الذين يشكّلون بين 70 و75% من سكان الحسكة، والذين عبروا عن رفضهم لمخرجات المؤتمر. هؤلاء استندوا إلى معطيات ديمغرافية وتاريخية تؤكد الغالبية العربية في المنطقة، مؤكدين أن نسبة الأكراد لا تخوّلهم فرض تغييرات بنيوية دون استفتاء يشمل جميع السكان تحت إشراف أممي.
كما عبّر العديد من وجهاء العشائر عن نيتهم عقد مؤتمر عربي مماثل، بهدف التأكيد على هوية الجزيرة السورية كمنطقة متعددة القوميات والأديان، مع التشديد على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع انفصالية أو تفكيكية.
معسكر التهدئة
في المقابل، حاولت قيادات كردية تخفيف حدة التوتر. فقد أبدى رئيس مجلس سوريا الديمقراطية، محمود المسلط، المنحدر من قبيلة الجبور العربية، انفتاحه على فكرة عقد مؤتمر للعشائر العربية، مؤكداً أن ذلك سيسهم في تعزيز الحوار الوطني، وتمهيد الطريق نحو توافق أوسع حول شكل الدولة السورية المستقبلية.
وأكد المسلط أن مشروع الفيدرالية ليس موجهاً ضد العرب أو أي مكون آخر، بل يستند إلى فكرة إدارة محلية لكل منطقة من أبنائها ضمن وحدة الأراضي السورية.
تصعيد حكومي
تزامن ذلك مع تصعيد رسمي من دمشق، حيث تم تسريب أنباء عن تعليق اتفاق 10 آذار بين أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية ومظلوم عبدي قائد "قسد"، وسط خلافات حول تنفيذ اتفاقات محلية في ريف حلب، لا سيما حول السيطرة على سد تشرين وأحياء الشيخ مقصود والأشرفية في حلب.
مصادر عسكرية حكومية أشارت إلى إرسال تعزيزات إلى محيط سد تشرين، مع تحذيرات واضحة من مشاريع الفدرلة التي اعتُبرت مرفوضة من قبل القيادة السورية الجديدة.
قراءة في السيناريوهات المستقبلية
بناءً على هذه التطورات، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات محتملة للعلاقة بين الشرع والأكراد السوريين:
1. سيناريو التصعيد والانفصال التدريجي
في حال استمرار التعنت الكردي بالمطالبة بفيدرالية واسعة النطاق دون تقديم ضمانات واضحة بوحدة سوريا، واستمرار الحكومة الجديدة في اعتماد الحل الأمني، قد تتجه العلاقة إلى مزيد من التوتر، مع احتمال اندلاع مواجهات عسكرية جديدة في شمال وشرق سوريا. قد يؤدي ذلك إلى تدهور أوسع في الوضع الأمني ويعطي مبرراً لتدخلات إقليمية إضافية.
2. سيناريو التسوية المرحلية
من جهة أخرى، قد يؤدي الضغط الشعبي والوطني إلى إجبار الطرفين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. في هذا الإطار، قد يتم التوصل إلى تفاهمات مرحلية تتيح نوعاً من الإدارة المحلية الموسعة في المناطق ذات الغالبية الكردية والعربية المشتركة، ضمن إطار سيادة الدولة السورية، مع التزام الأكراد بالتخلي عن خطاب الفيدرالية الانفصالية مقابل الحصول على ضمانات بالحكم الذاتي المحلي والحقوق الثقافية.
3. سيناريو الفوضى المحلية
هناك أيضاً احتمال ثالث يتمثل في الفشل في إدارة الخلافات بشكل سلمي، مما قد يؤدي إلى تصاعد ظواهر العنف الأهلي داخل مناطق الجزيرة السورية، مع ظهور فصائل عربية مسلحة لمواجهة "قسد"، الأمر الذي يفتح الباب أمام نزاعات داخلية تضعف جميع الأطراف وتؤدي إلى حالة من الفوضى الشاملة في الشرق والشمال السوري.
استنتاجات
تُجمع معظم القراءات أن نجاح أو فشل العلاقة بين إدارة الشرع والأكراد السوريين سيتوقف على عدة عوامل رئيسية:
• مدى استعداد القيادة الكردية للقبول بحل يضمن وحدة سوريا مع إعطاء دور محلي للمكونات.
• قدرة الشرع على إدارة الملف بحكمة، عبر الجمع بين الحزم السياسي والانفتاح على تفاهمات مع القوى المحلية.
• دور الأطراف الإقليمية والدولية، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا، في توجيه هذه العلاقة إما نحو التهدئة أو التصعيد.
• استجابة القواعد الشعبية العربية والكردية للمبادرات السلمية مقابل الخطابات المتطرفة.
في جميع الأحوال، يبقى مصير العلاقة بين الشرع والأكراد السوريين واحداً من أكبر التحديات التي ستواجه المرحلة الانتقالية، وربما أحد المفاتيح الأساسية لمستقبل الاستقرار أو الفوضى في سوريا الجديدة
في أعقاب مؤتمر القامشلي الذي دعت فيه الأحزاب الكردية السورية إلى إقامة نظام فيدرالي لامركزي، تصاعدت التوترات بين الإدارة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع والمكونات الكردية، مما استدعى تدخلات وتحليلات من خبراء دوليين.
وفي هذا السياق، قدّم الدكتور بلال قسومة ، الباحث السوري المقيم في واشنطن، مجموعة من التوصيات للطرفين، مستندًا إلى خبرته في الشؤون السورية والعلاقات الدولية.
أولاً: توصيات للإدارة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع
1. الاعتراف بالتنوع القومي والثقافي: يشدد الدكتور قسومة على ضرورة اعتراف الحكومة الانتقالية بالتعددية القومية والثقافية في سوريا، والعمل على صياغة دستور يضمن حقوق جميع المكونات، بما في ذلك الأكراد، ضمن إطار وحدة الدولة.
2. فتح قنوات الحوار مع المكونات الكردية: يوصي بضرورة فتح حوار مباشر مع الممثلين السياسيين للأكراد، مثل مجلس سوريا الديمقراطية، لمناقشة مطالبهم وتطلعاتهم، والسعي لإيجاد حلول توافقية.
3. تجنب التصعيد العسكري: يحذر من اللجوء إلى القوة العسكرية لحل الخلافات، مؤكدًا أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام والتوتر، ويقوض جهود بناء الدولة الجديدة.
ثانيًا: توصيات للمكونات الكردية السورية
1. التمسك بوحدة الأراضي السورية: ينصح الدكتور قسومة القيادات الكردية بالتأكيد على التزامهم بوحدة سوريا، وتقديم مطالبهم ضمن هذا الإطار، لتجنب الاتهامات بالسعي للانفصال.
2. العمل على بناء تحالفات وطنية: يشدد على أهمية بناء تحالفات مع المكونات الأخرى في سوريا، بما في ذلك العرب والمسيحيين والدروز، لتعزيز الموقف التفاوضي وتحقيق مطالب مشتركة.
3. الاستفادة من الدعم الدولي بحكمة: ينبه إلى ضرورة التعامل بحذر مع الدعم الدولي، وتجنب الاعتماد المفرط على القوى الخارجية، لضمان استقلالية القرار الكردي والحفاظ على العلاقات مع باقي المكونات السورية.
ويختتم الدكتور قسومة توصياته بالتأكيد على أن مستقبل سوريا يعتمد على قدرة جميع المكونات على التفاهم والتعاون لبناء دولة ديمقراطية تعددية، تضمن الحقوق والحريات لجميع مواطنيها.