زيارة درزية ثانية الى فلسطين المحتلة

رزان الحاج

2025.04.26 - 10:00
Facebook Share
طباعة

 
في مشهد مثير للجدل ومشحون بالرمزية السياسية، عبر مئات من رجال الدين الدروز من سوريا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة للمشاركة في زيارة مقام النبي شعيب في الجليل، بدعوى إحياء مناسبة دينية سنوية. ورغم أن هذه الزيارة تُقدَّم بلبوس ديني، إلا أنها لا تخلو من دلالات سياسية خطيرة في ظل واقع الاحتلال الإسرائيلي المستمر، خصوصاً في الجولان السوري المحتل.


الزيارة، التي تمت بإشراف وتنظيم إسرائيلي مباشر، ليست مجرد عودة لتقليد ديني انقطع منذ نكبة عام 1948، بل تمثل ــ في توقيتها وظروفها ــ خرقاً واضحاً لموقف تاريخي اتخذته الطائفة الدرزية السورية برفض التعامل مع الاحتلال تحت أي ذريعة، دينية كانت أو اجتماعية.


مقام ديني تحت السيطرة الإسرائيلية
تُنظم إسرائيل هذه الزيارات من خلال معبر أنشأته حديثاً قرب القنيطرة، ما يجعلها المتحكم الكامل في مسارها، ويحول الزيارة من ممارسة روحية إلى مشهد سياسي موجّه. إعلان الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، عن وصول الوفد السوري، ليس مجرد خبر ديني، بل هو تبنٍّ معلن لما تسميه إسرائيل "انفتاحًا" على الداخل السوري، وترويجٌ لصورة "التسامح" و"حرية المعتقد" تحت راية الاحتلال، في وقت تُقمع فيه الطقوس والمقدسات الإسلامية والمسيحية يومياً في القدس وغيرها.


بين الموروث والشرعنة
التقليد الديني الذي يتذرع به بعض شيوخ الطائفة لا يمكن فصله عن واقع الاحتلال القائم. إذ كيف يمكن إحياء طقس ديني في أرض محتلة تحت رعاية من يحتل الجولان السوري نفسه، ويمارس سياسات استيطانية وتهويدية ضد كل ما هو عربي وفلسطيني؟ من المؤسف أن تتحول الزيارة من رمز للتواصل الروحي إلى أداة لتبييض وجه الاحتلال وإضفاء شرعية اجتماعية على وجوده.


منذ متى أصبح عبور خطوط العدو، تحت إشرافه وبموافقته، فعلًا بريئًا؟ وهل يمكن حقًا الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي في ظل احتلال لم يتوقف يومًا عن استخدام الدين غطاءً لمشاريعه الاستعمارية؟


الطائفة بين المطرقة والسندان
من المؤكد أن الطائفة الدرزية السورية، مثل بقية مكونات المجتمع السوري، تعيش ظروفًا صعبة في ظل حرب طويلة، وحصار، وانهيار اقتصادي. لكن الحل لا يكون بمد اليد نحو العدو، حتى لو تم ذلك باسم الدين. إسرائيل ليست طرفًا محايدًا في النزاع، بل هي الجهة التي تحتل أرضًا سورية، وتستغل كل مناسبة دينية أو إنسانية لتكريس تطبيع تدريجي وناعم، تسوّقه دوليًا على أنه "تواصل بين الشعوب".


زيارة رجال دين دروز إلى الأراضي المحتلة تحت إشراف إسرائيلي ليست مجرّد رحلة إيمانية، بل تفتح الباب أمام أسئلة مشروعة: من يخدم هذا النوع من الزيارات؟ هل هو حقًا للربط بين أبناء الطائفة، أم أنه مدخل لتطبيع مرفوض تُفرض شرعيته بخطى ناعمة؟


الاحتلال لا يُجمَّل، مهما غُلِّف بالدين، ومن الخطأ الوقوع في فخ تصوير هذه المبادرات كجسور روحية، بينما هي في حقيقتها جسور سياسية يُراد لها أن تُبنى فوق أنقاض الذاكرة الوطنية والكرامة السورية.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3