دمشق وواشنطن: رسائل أمنية ومناورات صامتة

سامر الخطيب

2025.04.26 - 09:59
Facebook Share
طباعة

 وجّهت الحكومة السورية المؤقتة رسالة خطية إلى الولايات المتحدة حملت مضامين لافتة، كشفتها وكالة رويترز، تتعلق بقضايا أمنية حساسة أبرزها التعاون في مكافحة تنظيم داعش، وضبط نشاط الفصائل الفلسطينية داخل الأراضي السورية، وتعامل دمشق مع قضية المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى قضايا عالقة تخص الأسلحة الكيميائية والمواطن الأمريكي المختفي أوستن تايس.


الرسالة، التي وصفت بأنها مؤلفة من أربع صفحات، جاءت ردًا على قائمة مطالب أمريكية ضمن مساعٍ غير معلنة لإعادة تشكيل العلاقة بين الطرفين. وبينما أكدت الرسالة وجود "تواصل مستمر" بين السلطات الأمنية السورية وممثلين أمريكيين في العاصمة الأردنية عمّان، فإنها فتحت الباب نظريًا أمام توسيع التعاون الاستخباراتي ضد داعش، دون تقديم التزامات صريحة تسمح للولايات المتحدة بشن ضربات داخل سوريا.


رسالة متعددة الأبعاد
اللافت في مضمون الرسالة هو إعلان سوريا تشكيل لجنة خاصة لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية داخل أراضيها، في خطوة تشير إلى رغبة دمشق في إظهار سيطرتها الأمنية على الفصائل، وعدم السماح لأي طرف خارجي باستخدام أراضيها كساحة صراع، لا سيما تجاه إسرائيل. وقد سبقت هذه الخطوة بأيام فقط حملة اعتقالات استهدفت مسؤولين من حركة الجهاد الإسلامي، ما يعكس جدية الحكومة المؤقتة في إرسال رسائل طمأنة إقليمية ودولية.


تُظهر الرسالة محاولة دمشق للعب على حبلين: تقديم تنازلات محدودة لضمان رفع تدريجي للعزلة السياسية، دون المساس بجوهر سيادتها أو الخضوع الكامل للطلبات الأمريكية. فعلى سبيل المثال، رغم تطرق الرسالة لقضية المقاتلين الأجانب، فإنها تعاملت معها كقضية معقدة تستلزم مشاورات موسعة، متجنبة الوضوح في مسألة سحب الرتب أو تفكيك التشكيلات التي تضم غير سوريين.


دبلوماسية مشروطة وتوازن حساس
التحليل الأولي لمضمون الرسالة يكشف عن محاولة سورية لفتح قنوات تفاهم دون الوقوع في فخ “التطبيع المجاني”. فهي تقدم تعهدات عامة بعدم السماح لأي تهديد ينطلق من أراضيها تجاه الولايات المتحدة أو حلفائها، لكنها في الوقت نفسه، ترفض منح واشنطن تفويضًا عسكريًا مباشرًا داخل الحدود السورية.


هنا تظهر معضلة دمشق: كيف توازن بين الحاجة إلى الانفتاح الدولي، والحرص على الحفاظ على روايتها السيادية، لا سيما في ظل وجود قوى إقليمية داعمة لها مثل إيران وروسيا، قد لا ترحب بتقارب أمريكي-سوري خارج نطاق تفاهماتهم؟


أبعاد غائبة وتساؤلات مفتوحة
رغم شمولية الرسالة في بعض الجوانب، فإنها أغفلت بنودًا مركزية من الطلبات الأمريكية، مثل تسليم مطلوبين، أو اتخاذ إجراءات ملموسة فيما يخص الأسلحة الكيميائية، مكتفية بالإشارة إلى "توثيق التعاون" مع هيئات دولية.


وتبقى عدة تساؤلات معلقة: هل تمثل الرسالة بداية تغيير حقيقي في علاقة دمشق بواشنطن؟ أم أنها مجرد مناورة سياسية لامتصاص ضغوط متزايدة؟ والأهم: هل لدى الطرفين الاستعداد لفتح صفحة جديدة تتجاوز الشك المتبادل الذي طبع العلاقة لأكثر من عقد؟


في النهاية، قد لا تكون الرسالة تحولًا جذريًا، لكنها بالتأكيد مؤشر على تحولات جارية في الكواليس، في وقت تتقاطع فيه ملفات سوريا مع موازين القوى الإقليمية والدولية المتبدلة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 5